مشاهد من زمن كورونا : دروس وعبر!

14 مايو 2020
مشاهد من زمن كورونا : دروس وعبر!
محمد بنوي / باحث في قضايا التربية والمجتمع

 

 لا شك ان هذه الجائحة التي تعيشها   بلادنا كسائر بلدان العالم خلفت مجموعة من الدروس و  العبر  في كافة المجالات وعلى جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والأمنية والصحية والثقافية سيتناولها كل مهتم وباحث مختص من زاوية تخصصه .في هذا المقال, ادعو القراء الكرام ان نتأمل  جميعا في ظاهرة استرعت انتباهي وقد يلاحظها الكثير  في هذا الزمن الكورونياني والتي تستدعي تحليلا نفسيا واجتماعيا  وثقافيا.تتعلق بسلوك العديد من الأفراد خلال هذه المرحلة من الحجر الصحي .اليكم المشهد على شكل أسئلة (لان تخصصي الفلسفي علمني ان اطرح التساؤلات والاسئلة التي تحتوي في طياتها على الأجوبة او تللك التي تعتبر أجوبة ولكن في صيغة أسئلة ) .لماذا لا يلتزم العديد من الاشخاص بالحجر الصحي ؟( فضلت  ان استعمل كلمة العديد من الاشخاص عوض الكثير تفاديا للمبالغة في الحكم وتجنبا لاي تبخيس  للمجهودات المبذولة في المحافظة والالتزام باجراءات العزل الصحي )   لماذا لا يمتثل اولائك الافراد وتلك الجماعات للاجراءات والتدابير القانونية  المعمول بها في هذه الظرفية الوبائية الإستثنائية التي تمر منها البلاد ؟   هل السبب في تلك السلوكات يرجع إلى عدم الوعي بخطورة هذا الوباء ؟ ام الى الثقة في المناعة الذاتية لديهم والقادرة على هزم  الفيروس؟ هل الامر يتعلق الى ما يعتقدونه من ان المرض و الموت قضاء وقدر من الله تعالى وأن الانسان قد يمرض وقد يلتحق بالرفيق الاعلى وهو من اشد الحرصين على قواعد الوقاية واكثر الملتزمين بالعزلة الصحية؟ الى غير ذلك من الأسئلة التي تفرض نفسها على هذا المشهد المحير .
ان تحليل هذه الظاهرة التي يمكن أن نصفها بالتهور والفوضى وعدم الانضباط وسيادة ثقافة التحدي السلبي  والتمرد على الذات وعلى القوانين ،وهي من وجهة نظر التحليل النفسي كما درسته وكما افهمه: ،ظاهرة مرضية تسيطر عليها رغبات الهو المكبوتة والمقموعة، المخزونة والمترسبة في اللاشعور تتحين الفرصة لتعبر عن نفسها من خلال البحت عن اللذة ولو بالمخاطرة والمغامرة بالذات ،وهي ايضا ،اي الظاهرة،من وجهة نظر البحت الاجتماعي (نسبة إلى علم الاجتماع ) تعبير عن انحراف اجتماعي بسبب غياب التنشئة الاجتماعية  من طرف مؤسسات المجتمع المختلفة ،بدءا من الأسرة والمدرسة والجمعية من مرحلة الطفولة مرورا بفترة المراهقة والشباب وصولا الى سن الرشد( كمصطلح .اما كمضمون باعتباره مرحلة النضج العقلي المتوازن والمندمج مع الواقع ،فهذا شيئ اخر ) وقد يفسر رجل الدين وجود هذه الظاهرة بانعدام أو قلة التربية الدينية ( هنا يجب التمييز بين الدين والتدين ، يقصد بالمفهوم الاول ،مجموعة من النصوص العقائدية والشرعية المنزلة وهي بالنسبة للاسلام : الكتاب والسنة يمكن ان نضيف اليها اجماع الصحابة واجتهاد المجتهدين في اصول الفقه ،اما المفهوم التاني ،التدين فالمقصود به مجموع الممارسات والتطبيقات العملية التي قد تتفق او تختلف مع نصوص الدين ) .هكذا ،وباختصار شديد، يمكن حسب منظوري الشخصي – ان نفسر  ظاهرة عدم الالتزام بقواعد وضوابط الطوارئ الصحية وعدم الخروج من المنزل الا للضرورة القصوى.  نماذج هذا المشهد كثيرة والامثلة متعددة يمكن ان نسوق البعض منها ودائما على شكل أسئلة . بماذا نفسر خروج مجموعة من الشباب في احدى المدن  الى فضاء عام  لاجراء مباراة في كرة القدم بحضور جمهور لابأس به ؟ كيف يمكن ان نفهم خروج رب الأسرة مع أطفاله الصغار الى الشارع بدون كممات؟    ماهو سبب اقدام صاحب سيارة متوسطة الحجم بنقل عدد من الأشخاص سريا من منطقة إلى أخرى في شروط غير صحية ؟ كيف  نفسر قيام مجموعة كبيرة من الاشخاص بصلاة الجنازة في الشارع العام في احدى المدن الكبرى ؟  الى غير ذلك من المشاهد المؤلمة .  لماذا وصل البعض الى هذه الدرجة من عدم تقديره للمخاطر؟ لماذا يتحول الانسان في لحظات الى عدو لنفسه ؟ لماذا لا يخضع الانسان للقوانين الا خوفا من العقاب؟    هذه الحالة التي يوجد عليها مجموعة من الأفراد وهذه السلوكات الشاذة والخارجة عن العقل و عن القانون تسائلنا جميعا وتسائل  الأسرة والمدرسة والجمعية والحزب وجميع المؤسسات التربوية والاجتماعية والسياسية . يجب ان نستفيذ من دروس كروونا القاسية ولنبدأ من الان بالتفكير في مستقبل الناشئة وتكوين المواطن الإيجابي المتسلح بالسلوك المدني المتحضر .
الاخبار العاجلة