غابت الشمس : لا تلعبوا جاء المطر ..

2 فبراير 2018
غابت الشمس : لا تلعبوا جاء المطر ..
ذ. عبد الله عزي

 

يا إخوتي جاء المطر

هيا اجلسوا تحت الشجر

هيا كلوا هذا الثمر

واستنشقوا طيب الزهر

لا تلعبوا، جاء المطر ….

لم يعد صفير هذا النشيد يتردد على مسامعنا نحن فراخ الوحل، الذي كنا نقاومه بأحذيتنا البلاستيكية، لنعجن بيوتا من طين على هدي القدماء، بيوت صمدت مع الزمن ولا زالت شامخة في قرى ورززات ومدن أخرى، بعضها تجاوز الأربعمائة عام، ومع ذلك لم ينل منه وشم الشتاء أو أعاصير الرياح.
في زمن لعب الكبار تتلاشى قناطر لم يتجاوز عمرها 6 أشهر بالتمام والكمال، بناها مهندسون وسياسيون من خريجي مدارس القناطر والخراب، من يعرفون كيف يبيعون أخاديد الوجه بسيجارة للوجه الآخر.
“ممسوخ هذا الزمان، فارغ هذا الرأس المقيت، متجعد هذا الإحساس..” يقول شاعر. عجبا تنهمر ملمترات من التساقطات المطرية وتعري وجه مدننا، وتأتي تباشير الأرصاد الجوية بسحب كثيفة محملة بالإنذارات ولا يحرك مسؤول ساكنا، إنه يعيش طبعا في أمان ولا يهمه أن تجف جلدة الغوغاء أو تغرق جثت الفقراء. كل الزبانية نائمة.
لما يندثر موج الفيضان، تشتعل لحظة لهب في البرلمان وفي دواليب الوزارات، الكل ينادي بالتحقيق في مستوى حافات الماء، يكثر النباح… في الأخير يزدهر العرس، ويعلن عن صفقات العروض لشق الأودية وقناطر تبنى بكلس صدئ بقيت مفاصله من المأساة السابقة لتكون شاهدة على المأساة القادمة، تدون تواريخ ألفيتنا السافلة، البحث عن المال والمستقبل بدون شرف، لا أنفة ولا ضمير، لا محاسبة ولا مراقبة.
هكذا تختمر التجربة ولئن سقط مئات البشر ومئات البيوت، فلا تسأل عن سياسات عمومية عمياء، اسأل فقط عن كفن للموت. “النور يبصر النور والظلمة تبصر الظلمة”، يقول عبد القادر بنعجيبة.
ولنواصل النشيد، إخوتي جاء الجفاف ولنسافر إلى بلاد ولاد حمر، حيث يتوقع أن تهب عاصفة مطرية لا يقدر أحد أن يتسكع بين دروب المدينة والمياه تنزل من السماء وتصعد من الأرض، على الأقل اللجوء إلى ولاد حمر موقع جغرافي مغلوب، يستره الليل ويمكنك أن تغادر السوق مشبعا بالشاي والاسفنج، ومشبعا أيضا بخوار الثيران وبثغاء الخرفان، قد تنسى التلفزيون وأخبار السوء، اجعل العين للقلب قنطرة وطرقات وسر في بلاد الله إلى أن تجد كوة تنسل منها لتعطي ظهرك للوطن.
فماذا نملك في هذا الوطن غير الخطو الذي نخطو، حتى وإن كنت غير آمن من أن يعترضك اللصوص الصغار، أما الكبار فهم ليسوا في حاجة إليك، لا يفرطوا فيك إلا في حالة واحدة فمتى جرفتك السيول إلى قاع البحر، فهم قادرون أن يخلدوا اسمك وصوتك المخنوق في صناديقهم الانتخابية فأنت حي ميت تجوز سرقة أعضاءك البشرية كما يجوز سرقة صوتك الانتخابي، كنت كائنا أو غير كائن، فليس كل “كائن مواطن”، كما قال درويش.
ختاما أوصيكم بالحذر من الرعد المارد، فهو يرقد فوق سرير وثير وبيده “مكحلة”، يملأ الأرض خوفا وقبحا، فقبح الله الرعد والأعاصير، وإذا جاء المطر يا إخوتي لا تلعبوا تحت الشجر.
والفاهم يفهم .. واللي مبغاش شغلو هذاك ..

 

الاخبار العاجلة