بالمعطيات العلمية والخرائط… ما الذي حدث لشلالات أوزود؟ الأستاذ الجامعي بوعزة سلاك يقدم تفسيرا علميا لتوقف مياه العيون عن الجريان

هيئة التحرير23 ديسمبر 2025
بالمعطيات العلمية والخرائط… ما الذي حدث لشلالات أوزود؟ الأستاذ الجامعي بوعزة سلاك يقدم تفسيرا علميا لتوقف مياه العيون عن الجريان

ذ.سلاك بوعزة// أستاذ باحث بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بتطوان تخصص المناخ والمخاطر الهيدرولوجية

 

خلال الأسابيع الأخيرة، انتشرت تفسيرات متباينة بخصوص توقف أو تراجع صبيب بعض العيون التي تغذي شلالات أوزود، حيث عزاها البعض إلى موجات البرد القارس وما قد يرافقها من تجمد للمياه، فيما ربطها آخرون بإقامة سدود أو منشآت مائية في أعالي الحوض. كما أفادت عمالة أزيلال لجنة الى عين المكان من أجل الوقوف على حقيقة الامر. وأمام هذا التباين في التأويلات، تبرز الحاجة إلى مقاربة علمية رصينة تستند إلى الخصائص الطبيعية للمنطقة، ولاسيما بنيتها الجيولوجية والهيدروجيولوجية، من أجل فهم هذه الظاهرة في إطارها الصحيح بعيدًا عن التفسيرات الظرفية أو غير الدقيقة.
ويسعى هذا المقال إلى تقديم قراءة علمية مبسطة ومتكاملة، تقوم على إعادة تنظيم وتحليل المعطيات المرتبطة بالمجال الكارستي لحوض وادي أوزود ودينامية المياه الجوفية داخله، مبرزًا أن توقف جريان العيون في مثل هذه البيئات يُعد في كثير من الأحيان سلوكًا طبيعيًا ومؤقتًا، تحكمه آليات معقدة مرتبطة بتخزين المياه وتسربها داخل المنظومة الكارستية.

بنية جيولوجية معقدة وتشكيلات صخرية متنوعة:مرحلة مهمة في بناء تفسير علمي للظاهرة

يندرج حوض وادي أوزود ضمن مجال الأطلس الكبير الأوسط، وتحديدًا بإقليم أزيلال، وهو مجال جبلي يتميز بتعقيد بنيته الجيولوجية وتنوع تشكيلاته الصخرية. وتُعد شلالات أوزود من أبرز المظاهر الجيومورفولوجية بالمنطقة، إذ يرتبط وجودها مباشرة بخصائص النظام الهيدروجيولوجي المحلي.
تسود في الحوض التكوينات الكربوناتية، خاصة الصخور الكلسية والدولوميتية العائدة إلى العصر الجوراسي (اللياس السفلي والمتوسط). وتظهر هذه الصخور على شكل شرائط متواصلة، لا سيما في الجزء الغربي من الحوض، بينما تتدرج شرقًا نحو تكوينات مارنية وصخور رملية.
كما يلاحظ وجود تكوينات ترافرتينية، ورواسب فيضية رباعية، وتكتلات صخرية (كونغلوميرات) متفاوتة التماسك، يُرجّح انتماؤها إلى البليوسين أو الرباعي القديم، إضافة إلى صخور رملية تعود إلى الطباشيري السفلي. ويعكس هذا التنوع الليثولوجي تباينًا واضحًا في النفاذية وقدرة الصخور على تخزين المياه ونقلها.
تتميز المنطقة ببنية تكتونية معقدة، تتجلى في طيات محدبة غير متناظرة ومكسّرة (Anticlines)، تشكل أعلى القمم. كما تنتشر شبكة كثيفة من الفواصل والشقوق الناتجة عن الحركات التكتونية، ما يسهّل تسرب مياه الأمطار إلى العمق، ويعزز تطور نظام كارستي نشيط .ويؤدي التماس بين الصخور النفوذة (الكلس والدولوميت) وغير النفوذة (المارن والطينيات) إلى تركز المياه الجوفية وظهور العديد من العيون التي تغذي الأودية، ومن بينها تلك التي تشكل شلالات أوزود.

 

عموما يندرج مجال أوزود ضمن بيئة جبلية تنتمي إلى الأطلس الكبير الأوسط، ويتميز ببنية جيولوجية خاصة تهيمن عليها التكوينات الكربوناتية القابلة للذوبان، إلى جانب تعقيد تكتوني واضح. وقد أفرز هذا السياق الطبيعي مجالًا كارستيًا متطورًا، تتداخل فيه أشكال السطح مع الشبكات الباطنية لتخزين المياه ونقلها. وفي مثل هذه المجالات، لا تنتظم الموارد المائية وفق منطق الجريان الدائم، بل تخضع لدينامية متغيرة ترتبط بقدرة الصخور على التسرب والتخزين وبشروط التغذية المطرية. وتشكل العيون التي تغذي شلالات أوزود أحد تعبيرات هذه الدينامية، حيث يعكس تذبذب صبيبها السلوك الطبيعي لمنظومة كارستية حساسة للتغيرات المناخية والظروف الهيدرولوجية. ومن ثم، فإن فهم هذا المجال يقتضي مقاربته في إطار شامل يدمج بين الجيولوجيا والهيدروجيولوجيا، ويعتبر الدينامية الكارستية مفتاحًا أساسيا لتفسير الظواهر المائية المسجلة به.
علاقة النشاط الكارستي بتوقف صبيب العيون مؤقتًا: الانهيارات الأرضية(الانخسافات) مسوولة عن توقف الجريان و إعادة تنظيم شبكة الجريان الجوفي
تُعد منطقة أوزود مثالًا واضحًا للبيئات الكارستية، حيث تخضع الصخور الكلسية لعمليات ذوبان مستمرة بفعل المياه. وينتج عن ذلك تشكل شبكة معقدة من القنوات الجوفية، الكهوف، والشقوق، التي تتحكم في مسارات الجريان الجوفي وسرعته.
في هذا النوع من الأنظمة، لا يكون جريان المياه الجوفية ثابتًا أو منتظمًا، بل يتسم بدرجة عالية من الدينامية، حيث يمكن أن تتغير مساراته بسرعة تبعًا لكمية التساقطات، ومنسوب المياه الجوفية، وحالة القنوات الكارستية.

الانخسافات الأرضية (Sinkholes)

تُعد الانخسافات الأرضية من أبرز الظواهر المرتبطة بالنشاط الكارستي، وهي تجاويف أو حفر تتكون نتيجة انهيار الطبقات السطحية فوق فراغات جوفية ناتجة عن ذوبان الصخور الكلسية.

وتتنوع أشكالها بين:

نموذج نظري للدينامية الكارستية
• انخسافات الذوبان: تتطور تدريجيًا نتيجة الذوبان البطيء للصخور.
• انخسافات الانهيار: تحدث بشكل مفاجئ بسبب انهيار سقف كهوف جوفية.
• انخسافات الغسل (Suffosion): تنتج عن جرف المياه لدقائق التربة داخل الفراغات الجوفية.
• الانخسافات المدفونة: تكون مغطاة بطبقات ترابية ولا تظهر بوضوح على السطح.
تلعب هذه الانخسافات دورًا مهمًا في إعادة تنظيم شبكة الجريان الجوفي، وقد تؤدي إلى فتح مسارات جديدة أو إغلاق أخرى. وهي المفسى
إعادة تنظيم الجريان الجوفي
عند فترات التساقطات المطرية الغزيرة، تتسرب كميات كبيرة من المياه بسرعة عبر الشقوق والفواصل في الصخور الكلسية، ما يؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في منسوب المياه الجوفية. هذه الوضعية قد تُحدث إعادة تنظيم داخلية لمسارات الجريان، حيث تصبح بعض القنوات أكثر فاعلية من غيرها.

ونتيجة لذلك، قد تتوقف بعض العيون مؤقتًا عن الجريان، ليس بسبب نضوب المورد المائي، بل لأن المياه اختارت مسارات جوفية أخرى أقل مقاومة أو أكثر انحدارًا، وقد تفرغ مباشرة في الوادي أو في عيون أدنى من حيث الارتفاع.

نمودج تقريبي للدينامية الكارستية السموولة عن التوقف الموقت لجريان العيون بشلالات اوزود

 

الانسداد المؤقت للقنوات

يمكن للنشاط الكارستي المصاحب للأمطار الغزيرة أن يؤدي إلى نقل رواسب دقيقة ومواد طينية داخل القنوات الجوفية، ما يتسبب في انسداد مؤقت لبعض المجاري المغذية للعيون. ويؤدي هذا الانسداد إلى انخفاض الصبيب أو توقفه لفترة محدودة، إلى أن تستقر الظروف الهيدرولوجية وتُعاد فتح القنوات تدريجيًا.

طابع الظاهرة المؤقت

يتميز النظام الكارستي بمرونة عالية وقدرة على التكيف الذاتي. فمع تراجع شدة الجريان واستقرار منسوب المياه الجوفية، تعود القنوات المسدودة إلى الانفتاح، وتستعيد العيون نشاطها، وأحيانًا بصبيب أقوى من السابق. لذلك، فإن توقف صبيب بعض العيون، مثل منبع تابونووت، يُعد ظاهرة طبيعية ومألوفة في هذا النوع من البيئات.

خلاصة عامة

إن توقف أو ضعف صبيب عيون شلالات أوزود لا يُعد مؤشرًا على نضوب دائم للمورد المائي، بل هو نتيجة طبيعية لدينامية النظام الكارستي الذي يميز المنطقة. وتعكس هذه الظاهرة:
• تغيّر مسارات الجريان الجوفي،
• انسداد أو انفتاح القنوات الكارستية،
• تطور الانخسافات الأرضية والنشاط الجيومورفولوجي الداخلي.
وعليه، فإن ما يحدث يُعد دليلًا على حيوية النظام الهيدروجيولوجي بالمنطقة أكثر من كونه علامة على تدهوره، الأمر الذي يستدعي اعتماد مقاربة علمية هادئة في تفسير الظواهر الطبيعية، بعيدًا عن التأويلات غير المؤسسة علميًا.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة