عمر بولمان
في إطار السياحة الثقافية المستدامة، نظمت وكالة سياحية مغربية رحلة مميزة لفائدة عائلات إسبانية، امتدت على مدى ستة أيام، انطلقت من مدينة مراكش وعبرت مسارات تاريخية وطبيعية عريقة، قبل أن تعود مجددا إلى المدينة الحمراء، في تجربة إنسانية وثقافية جسدت غنى المغرب وتنوعه الحضاري.
وانطلقت الرحلة من مراكش، القلب النابض للسياحة المغربية، في اتجاه الجنوب الشرقي عبر ممر تيزي نتيشكا، أحد أعلى الممرات الجبلية في المغرب، والذي يشكل حلقة وصل تاريخية بين سهل الحوز ومناطق الجنوب. هذا الممر لم يكن مجرد طريق عبور، بل لوحة طبيعية تجمع بين القمم الجبلية والقرى الأمازيغية التي ما زالت تحافظ على نمط عيشها التقليدي.
بعد ذلك، حطّت القافلة الرحال بمدينة ورزازات، عاصمة السينما وملتقى طرق القوافل القديمة، قبل مواصلة الطريق نحو مضايق تودرا، هذه الأعجوبة الجيولوجية التي نحتتها الطبيعة عبر آلاف السنين، حيث انبهرت العائلات الإسبانية بجدرانها الصخرية الشاهقة وبالحياة المحلية التي تعكس انسجام الإنسان مع الطبيعة القاسية.
ومن تودرا، اتجهت الرحلة نحو صحراء مرزوكة، حيث الكثبان الرملية الذهبية لإرغ شيبي، والتي شكلت ذروة التجربة. هناك عاش السياح لحظات استثنائية بين هدوء الصحراء، وكرم الضيافة المحلية، وسحر الغروب والشروق، في فضاء يختزل روح الصحراء المغربية.
العودة من مرزوكة كانت عبر طريق القصبات، مرورا بـ النقوب وتمنوكالت، وهي مناطق تزخر بقصبات تاريخية شيدت بالتراب المدكوك، وتعد شاهدا حيا على عبقرية العمارة التقليدية في الجنوب الشرقي. كما شملت الرحلة زيارة السوق الأسبوعي لمدينة أكدز، التابعة لإقليم زاكورة، أسفل جبال الكيسان، حيث تعرف الزوار عن قرب على الحياة اليومية للسكان المحليين، وعلى الدور الاقتصادي والاجتماعي لهذه الأسواق في الواحات.
بعد ذلك، تم الاتجاه نحو مدينة النقوب، المعروفة بقصباتها السياحية ذات الهندسة المعمارية الأصيلة، وبكرم ضيافة أهلها، ثم المرور عبر طريق آيت ساون، حيث توقفت العائلات عند مناظر طبيعية فريدة، من بينها تشكيلات صخرية تشبه القلب والعينين، وكأن الطبيعة نفسها تحوّلت إلى فنان تشكيلي مفتوح.
المرحلة الأخيرة من الرحلة قادت السياح عبر آيت بن حدو، الموقع المصنف ضمن التراث العالمي لليونسكو، والذي كان عبر قرون محطة استراحة رئيسية للقوافل التجارية القادمة من الصحراء في اتجاه الأطلس والشمال. كما مرّت الرحلة عبر وادي أونيلا، المعروف تاريخيا بـ “وادي اللوز”، ثم تلوات، حيث تقف قصبة الكلاوي شامخة، شاهدة على مرحلة مهمة من تاريخ المغرب السياسي والاجتماعي.
وقد رافق هذه الرحلة مرشد سياحي محترف (ع. ب)، الذي لعب دورا محوريا في إنجاح البرنامج، ليس فقط من خلال الشرح والتأطير، بل أيضا عبر بناء علاقة إنسانية عميقة مع أفراد المجموعة. وحسب ما صرح به المرشد السياحي، فإن أحد السياح كان بمثابة “أب روحي” له، لما تلقاه منه من قيم ومعارف مرتبطة بعالم السياحة، مؤكدا أن له الفضل الكبير في مسيرته المهنية، وهو ما أضفى على الرحلة بعدا إنسانيا نادرا، تجاوز حدود السفر العادي إلى تبادل ثقافي صادق.
وفي اليوم السابع، خصصت للعائلات الإسبانية زيارة إضافية مؤطرة مع مرشد سياحي، لاكتشاف معالم أخرى وتعميق المعرفة بتاريخ المغرب وثقافته، في ختام رحلة تركت أثرا إيجابيا كبيرا لدى الزوار، ورسخت صورة المغرب كوجهة سياحية تجمع بين التاريخ، الطبيعة، والإنسان.
رحلة كهذه تؤكد أن السياحة ليست مجرد تنقل بين الأماكن، بل هي جسر للتواصل بين الشعوب، ورسالة سلام ومعرفة.



















