عمر بولمان
في قلب جبال الأطلس، وعلى بعد 97 كيلومترا من مدينة بني ملال، وعلى ارتفاع يفوق 1800 مترا عن سطح البحر، ينتصب جبل مسفران شامخا، ذلك الجبل المعروف بـ”الكاتدرال” نسبة إلى شكله الشبيه بالكنائس الأوروبية، فالمكان بات اليوم من أبرز الوجهات لعشاق الطبيعة والمغامرة، من المغاربة والأجانب على حد سواء، الذين يقصدونه للاسترخاء والاستمتاع بجمالية المكان الخلابة، وسط الغابات المورقة، والمناظر البكر، والقرى الأمازيغية الأصيلة.
ومع الانتشار المتسارع لصور “قمة الكاتدرال” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تزايدت أعداد الزوار بشكل ملحوظ، خصوصا خلال العطل ونهايات الأسبوع، رغم صعوبة الوصول إليه بسبب وعورة التضاريس، إلا أن المشقة تتلاشى أمام جمالية المكان وسحره.
غير أن هذه الشهرة المتزايدة لم تأت دون ثمن، فقد بدأت تظهر للعيان مظاهر سلبية تهدد جمال الطبيعة في الجبل، وعلى رأسها تراكم الأزبال بشكل مقلق في عدة نقاط من المسلك المؤدي إلى القمة وفي محيط الغابات، وهو ما حول بعض الزوايا إلى شبه مكبات عشوائية، في مشهد لا يليق بمكان طبيعي بهذه القيمة.
وفي زيارة ميدانية للموقع، التقت الجريدة بمرشد سياحي محلي من منطقة آيت بوكماز، يسمى (ع.ب)، الذي لم يخف استياءه من الوضع، حيث قال: “جبل مسفران مكان رائع وهادئ، لكن أغلب المشاكل التي نراها هنا سببها بعض السياح المغاربة الذين لا يحترمون المكان. يتركون بقايا الطعام والعبوات البلاستيكية وراءهم، دون أي إحساس بالمسؤولية، بينما نرى في المقابل أن السياح الأجانب غالبا ما يقومون بجمع النفايات وتنظيف محيط خيامهم”.
وأضاف المتحدث ذاته أن الضجيج الليلي الصادر عن بعض المخيمين أصبح يشكل مصدر إزعاج للسياح الذين يقطعون مسافات طويلة للوصول إلى الجبل، خاصة من جهة زاوية أحنصال عبر وادي أحنصال. “الزائر الأجنبي يأتي ليستمتع بالهدوء، ينام باكرا، ويحترم الآخرين… أما البعض من السياح الداخلين فيتعاملون مع المكان كأنه ساحة حفلات، دون مراعاة لراحة الآخرين.
ويفتقر المكان إلى الحد الأدنى من البنية التحتية السياحية، فلا حاويات نفايات، ولا لافتات توعوية، ولا حضور فعلي للسلطات البيئية، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة حول دور الجماعات المحلية والجهات المسؤولة في حماية هذه المواقع الطبيعية من التلوث والتشويه.
وتساءل أحد السكان بمرارة: “لماذا لا نرى حملات تنظيف دورية؟ ولماذا لا يتم تحسيس الزوار، ولو عبر وسائل بسيطة، بخطورة تصرفاتهم؟ هل ننتظر أن يفقد المكان قيمته ليتم التحرك؟
من على قمة مسفران، حيث يلتقي الصفاء الطبيعي بجمال التضاريس، يوجه السكان والمرشدون المحليون نداء حارا إلى كل من يزور المكان: “من فضلكم، لا تتركوا خلفكم أزبالا. احترموا المكان، واحترموا من حولكم. دعوا الجبل نظيفًا كما وجدتموه، فهو ليس ملكًا لأحد، بل إرث طبيعي مشترك”.
جبل مسفران أو “الكاتدرال”، ليس فقط موقعا للاستجمام، بل هو رمز للجمال الطبيعي المغربي، ومقصد سياحي يستحق أن نحميه جميعا. هكذا ختم احد الغيورين حديثه مع الموقع.