في ردهات مجموعة “ماسبيكس” البولونية، واحدة من أكبر التكتلات الصناعية في شرق أوروبا، لم يكن من الممكن توقّع أن يتحوّل عرض تجاري إلى حدث سيادي.
لكن ما حدث، لم يكن مجرد تفصيل في جدول زيارة، بل لحظة من تلك اللحظات التي تُكتب بحبر السيادة، وتُقرأ بلغة الرسائل غير المُعلنة.
فخلال المهمة التي قام بها وفد المركز الجهوي للاستثمار بني ملال-خنيفرة، ضمن جولة الاستثمارات الكبرى، وفي سياق تقارب اقتصادي مؤطر بتوجيهات واضحة من والي الجهة، وبتناغم مع مضامين ميثاق الاستثمار الجديد الذي يرعاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وبتفعيل مؤسساتي مباشر من طرف الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية، برز مشهد لم يكن عابراً: خريطة المغرب الكاملة، بكل جهاته وأقاليمه، بما فيها صحراؤه، تُعرض ضمن الوثائق الرسمية لمجموعة “ماسبيكس”، وتُقدَّم للعالم في سياق تعاوني واقتصادي ناعم، لكنه شديد الوضوح.
لم تكن تلك الخريطة المرسومة مجرد صورة؛ كانت إعلاناً سيادياً ناعماً، وموقفاً سياسياً بصيغة مؤسساتية. “ماسبيكس”، التي تتحكم في أكثر من %68 من السوق الغذائية الأوروبية، وتضم 22 وحدة صناعية ضخمة، لم تصدر بلاغاً ولا تصريحاً. لكنها قالت كل شيء من خلال خرائطها ومنصاتها وأدبياتها التسويقية.
وفي قلب هذه اللحظة، كان الحضور المغربي حاضراً برصانة الدولة. من خلال وفد المركز الجهوي، الذي ضمّ مسؤولين كباراً، وبتنسيق مشترك بين قطب الدفع الاقتصادي وقطب المواكبة الترابية، جسّد حضوراً وازناً للمؤسسة الترابية المغربية، عبر عمل هادئ، لكنه مؤثر.
وقد كان الاطاران نوفل حمومي وكريم العلوي من بين الذين قادوا هذه الزيارة بتكامل واضح، حيث شكّلت ديناميكية الفريق عاملاً حاسماً في تثبيت الرسالة وتوسيع فرص التعاون.
فمن لقاءات تقنية حول سلاسل الإنتاج الغذائي، إلى تبادل الرؤى بشأن الفرص اللوجستيكية، مروراً بجلسات عميقة حول تموقع جهة بني ملال-خنيفرة كمحطة مغاربية أوروبية… لم تكن الزيارة بروتوكولية، بل ذات عمق استراتيجي.ط، حيث اختُتمت بتوافق ضمني على الدفع نحو استثمار مشترك.
فهذه الزيارة للوفد المغربي تجسد إلتقاء خُطط المركز الجهوي للاستثمار مع الرؤية الوطنية الشاملة، التي أسّس لها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والتي تجد اليوم في ميثاق الاستثمار الجديد دعامة مؤسساتية لتفعيلها، عبر الآليات التي تقودها الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية.
هكذا، دون ضجيج، تُصنع جسور جديدة بين قلب المغرب وقلب أوروبا. جسور لا تُبنى بالإسمنت، بل تُبنى بالثقة، وبإصرار من يؤمن أن السيادة الاقتصادية تبدأ من التفاصيل… من الخريطة، ومن الوفد، ومن الشراكة…