تاكسي نيوز//
في مشهد معبر يتجاوز حدود التشجيع الرياضي، رفعت جماهير فرق بني ملال وخنيفرة الممثلة لجهة بني ملال خنيفرة لافتات تحمل رسائل اجتماعية قوية، تُلخص بدقة واقع التهميش الذي تعيش على وقعه الجهة منذ سنوات في غياب رؤية واضحة للنهوض بها والرقي بمشاريعها وحل معضلة البطالة بها والالتفات بشكل جدي لفرقها ونواديها الرياضية ولشبابها وساكنتها.
الجماهير رفعت في مقابلة شباب أطلس خنيفرة مع نظيره رجاء بني ملال، شعارات تحمل رسائل اجتماعية بليغة ومؤثرة :”الجهة مهمشة.. الفراقي مخربة ومدمرة” و “الشباب مشمشة… ملفات التنمية مغبرة”، شعارات اختزلت مأساة المنطقة بأكملها في بضع كلمات، ولكنها كانت كافية لهز الضمير الإنساني لدى السياسيين والمسؤولين الترابيين، في ظل غياب أوتغييب الإرادة الحقيقية للتنمية المستدامة!
وعبّر العديد من النشطاء بأن هذا المشهد يعكس عُمق جراح الأزمة الاجتماعية الخانقة، حيث تحولت معها مدرجات الملعب إلى منبر احتجاجي يصرخ بصوت عال، تعبيرا عن حجم الألم والإحباط المُعاش؛
فجماهير فريق رجاء بني ملال وشباب أطلس خنيفرة، لم تكتف بالتشجيع والتحفيز الرياضي المتعارف عليه، بل تجاوزت المعتاد إلى رفع لافتات ضمنتها رسائل قوية، تختزل واقعا مريرا تتعايش معه الجهة وساكنتها منذ سنوات، دون أن تجد آذاناََ صاغية أو إرادة سياسية حقيقية لنهج سياسة تنموية ناجحة، سواء من طرف المجالس المنتخبة أو المؤسسات الحكومية؛
شعارات تحمل صداها لافتات أطلقها الجمهور بصدق وبدون خلفيات سياسة أو انتماءات حزبية، تُغْنِي عن فحوى عشرات التقارير المُزَيَّنة بأرقام الإنجازات المفترضة، وهي ليست مجرد شعارات عابرة ،كما قد يعتقد البعض ، بل تحمل في طياتها صرخة جماعية من أبناء منطقة أُهملت وهُمِّشَت على جميع المستويات الإقتصادية، والاجتماعية، والثقافية والرياضية والإعلامية والصحافية والجمعوية…
فرغم أن جهة بني ملال خنيفرة، تزخر بثرواتها الطبيعية، ومؤهلاتها الفلاحية والسياحية، فإنها وللأسف لا تزال تعاني من تدهور كبير على مستوى البُنى التحتية، وضعف الخدمات الصحية، وقلة فرص الشغل، والعطالة القاتلة، ما دفع بالكثير من شبابها إلى اختيار “شر” الهجرة عبر قوارب الموت، ومنهم من حقق حلمه ومنهم من لقي مصرعه في البحر ،فيما آخرون ينتظرون قدرهم المحتوم ،أو السقوط في براثن البطالة والانحراف والضياع، وكل هذا البؤس يتم رغم الحديث عن برامج للتنمية والاستثمارات المحتشمة التي انتهى مصير بعضها بالفشل الذريع ،والتي يتم الإعلان عنها في السنوات الماضية أو الحالية دون أن تحقق أهدافها، سيما أن واقع الحال يكذب ذلك ويؤكد أن التنفيذ إما تعثر أو جاء سطحيا لا يلامس عمق الأزمة، وربما يرجع ذلك إلى ضعف رؤية في التخطيط لهذه البرامج التنموية الجهوية، ولايرقى إلى تطلعات الساكنة بجهة بني ملال خنيفرة وعاصمتها لقليمية بني ملال، عاصمة التهميش والبطالة، عاصمة اغتناء المسؤولين المحليين والجهويين والمركزيين الذين يستثمرون بها هنا وهناك ويتقاسمون المشاريع داخلها هنا وهناك ويحسنون وضعيتهم المالية والإدارية ثم يغادرون ويتركون وراءهم جهة جريحة تتخبط وغارقة في التهميش والفقر والبطالة والفشل في جميع المجالات بما فيها مجال الصحافة والاعلام المحلي والجهوي الذي اصبح يحتضر هو الاخر ولا يمكن فصله عن باقي القطاعات المهمشة والتي أغلقت الأبواب في وجهها؛ أبواب المنتخبين؛ أبواب المسؤولين الترابيين؛ أبواب الدعم المركزي الذي أصبح يخدم أصحاب “الشكارة” فقط …
ونحن نتحدث عن الاقصاء في مجالات متعددة ، فلابد أن نؤكد أن الفرق الرياضية في الجهة تعاني بدورها من الإهمال وقلة الدعم، في المقابل تستفيد مثيلتها من دعم مالي محترم في مختلف جهات المملكة ، فضلا عن ضعف واضح للجهة على مستوى البنى التحتية الرياضية اللائقة، الأمر الذي ضيّع عليها فرصة الاستفادة من حقها في المشاركة في تنظيم المونديال، ناهيك عن غياب الموارد المالية الموازية والقادرة على تأهيل الجهة للمنافسة شأنها في ذلك كشأن باقي الجهات في ربوع الوطن التي تشهد تطورا ملحوظا في مختلف مجالات التنمية؛
كل هاته العوائق والصعاب ،كانت من بين أسباب تخلف واقع الرياضة على مستوى الجهة، حيث أن الواقع يقضي بأن تكون الرياضة متنفسا للشباب وحافزا على التنمية بالجهة، عوض أن تتحول إلى واجهة أخرى للفشل، وسببا إضافيا في ارتفاع منسوب الغضب، حيث كانت النتيجة انتقال التعبير عن السخط الجماهيري من الوقفات والمسيرات وصفحات الفيسبوك والمواقع الاخبارية إلى المدرجات.
وحتى نكون واقعيين فإن المسؤولية لا تقع على جهة بعينها ولا يمكن أن نحمل هذه المسؤولية لجهة محددة، بل هي حصيلة لتراكمات سياسية واقتصادية على مدار سنوات، على رأسها غياب رؤية تنموية مندمجة وشاملة ، وتوزيع غير عادل للثروة والاستثمارات التي تضيع فيها ملايين الدراهم دون فائدة تُذكر ودون أن تُحقق الإقلاع الاقتصادي والتشغيل والحركة الاقتصادية لإنعاش الجهة، كلها إذن عوامل ساهمت في تحويل هذه الجهة المباركة إلى منطقة عبور نحو المركز، ومحطة لاغتناء بعض المسؤولين المنتخبين وحتى المسؤولين الترابيين، لا إلى فضاء منتج وجاذب قادر على خلق التنمية المنشودة لفائدة الساكنة كسائر الجهات التي عرفت إقلاعا تنمويا متسارعا.
ولا أحد يخفى عنه أن الرسالة التي وجهها الجمهور الرياضي الملالي والخنيفري من المدرجات كانت واضحة وصريحة، لكونها صرخة شبابية نابعة من قلب الشباب ومن الواقع المعاش، صرخة تطالب في ظاهرها وباطنها بالكرامة، وبالتنمية، وبالحق في العيش الكريم وفي توفير الشغل لشباب وشابات ورجالات هذه الجهة خصوصا من أصحاب الشواهد العليا.
فما حدث في الملعب لا يجب أن ينظر إليه على أنه مجرد خروج عن النص الرياضي، بل هو تنبيه صادق نابع من القلب ينذر بالمزيد من اللافتات في المدرجات وفي المناسبات إذا استمر الوضع على ما هو عليه وإذا لم يتعامل المسؤولين جديا مع هذه النداءات والمطالب الشعبية الاجتماعية المشروعة.
وفي نهاية هذا المقال الذي بدوره نابع من عمق رسالة المدرجات ومتضامن في كلماته مع نداءات الجماهير ، لا بد من التأكيد أن ساكنة جهة بني ملال خنيفرة لا تطالب بالمستحيل، بل تسعى فقط إلى نيل حقها المشروع في التنمية والعدالة المجالية، ولهذا نطرح تساؤلات وجيهة وجوهرية، هل ستتحرك الجهات المعنية لحل هذه الإشكالات الجوهرية محليا وجهويا ومركزيا بدل التركيز على المشاريع الباهتة؟ وهل ستستفيق النُّخَب السياسية ومعها المسؤولين من سباتهم أو من تجاهلهم وانغلاقهم غير المبرر في مغرب الانفتاح والتواصل والانصات؟ أم أن صرخات المدرجات وصرخة هذا المقال ستبقى مجرد صدى في واد لا حياة فيه لمن تنادي؟
ومشات خبيرتنا مع الواد ومستقبل ساكنة الجهة مابقاش مع الجْواد!!!