محسن خيير
في تظاهرة علمية متميزة جمعت بين الفكر والممارسة، احتضنت جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، يوم السبت 3 ماي 2025، ندوة وطنية رفيعة المستوى بعنوان “الدبلوماسية الرياضية: القوة الناعمة للمغرب”.
وقد نظّم هذا اللقاء الفكري قطب الدراسات في الدكتوراه، بشراكة مع المندوبية الجهوية للجمعية المغربية للصحافة الرياضية – فرع بني ملال خنيفرة، بمشاركة أسماء وازنة في الحقل الرياضي والسياسي، أبرزهم الدكتور منصف اليازغي، الخبير في السياسات الرياضية، والإعلامي والناشط الحقوقي الجزائري وليد كبير، رئيس الجمعية المغاربية للسلام والتعاون والتنمية. وأدار الجلسة الدكتور محسن إدالي، مدير قطب الدكتوراه بالجامعة.
وجاء هذا اللقاء في سياق التكوينات التكميلية المخصصة لطلبة الدكتوراه من الجيل الجديد، كما يندرج ضمن جهود الجامعة للانفتاح على قضايا المجتمع وتفاعلاته الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية، تأكيدًا لدورها كمؤسسة مواطنة في قلب التحولات الكبرى.
الرياضة… من ملعب التنافس إلى ساحة التأثير الجيوسياسي
سلّط المتدخلون الضوء على تحوّل الرياضة، وبخاصة كرة القدم، من مجرد لعبة إلى أداة استراتيجية ذات وزن كبير في العلاقات الدولية. فقد أصبحت صناعة واعدة، ورافعة للاستثمار، وفضاءً لإنتاج الثروة وخلق فرص الشغل، بل وأداة ناعمة للدفاع عن القضايا الوطنية، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية.
وفي هذا السياق، أشار وليد كبير إلى أن الدبلوماسية الرياضية المغربية، بفضل الرؤية الملكية السديدة، حققت مكاسب ملموسة على الساحة الإفريقية والدولية. فقد مكّنت المغرب من تعزيز حضوره الدبلوماسي بعد العودة للاتحاد الإفريقي، وأسهمت في بناء جسور التفاهم والتقارب بين الشعوب، وفي ترويج قيم السلام والتسامح.
وأكد كبير أن الرياضة كانت ولا تزال، وسيلة ناجعة لنقل الرسائل السياسية دون ضجيج، وتحقيق التقارب في ظل التوترات، معتبرًا أن المغرب أحسن استثمار هذه الورقة الذكية لتعزيز صورته وصون مصالحه الحيوية.
منصف اليازغي: مونديال قطر نقطة تحوّل
من جهته، قدّم الدكتور منصف اليازغي قراءة تحليلية دقيقة لمفهوم الدبلوماسية الرياضية، مميزًا بين الدبلوماسية الرياضية العامة، و”دبلوماسية كرة القدم” كرافد خاص. واستعرض تجربة المغرب في مونديال قطر 2022، التي عايشها عن قرب، مؤكدًا أنها شكّلت نموذجًا ناجحًا لتوظيف الرياضة في التعبئة الشعبية، وتعزيز الانتماء الوطني، وتقديم صورة حضارية عن المغرب.
ودعا اليازغي إلى تعميم الاستفادة من الاستعدادات الضخمة التي تشهدها البلاد لتنظيم التظاهرات الكبرى، على مختلف جهات المغرب، وليس فقط المناطق المستضيفة، منوهًا بأهمية مواكبة هذه الدينامية بتنمية ثقافية حقيقية، تعبّئ المجتمع وتجعله فاعلًا في مشروع وطني شامل.
ندوة بصيغة الترافع… نحو تكوين أكاديمي ملتزم
في كلمته الافتتاحية، أكد الدكتور محسن إدالي أن هذه الندوة لم تكن فقط لحظة معرفية، بل تدريبًا عمليًا على الترافع الأكاديمي حول القضايا الاستراتيجية للبلاد. فالطالب الباحث، حسب إدالي، مطالب اليوم بأن يكون حاملًا لقضية، وقادرًا على التأثير والدفاع، في زمن تتقاطع فيه المعرفة مع الدبلوماسية، والرياضة مع السيادة.
وقد شهد اللقاء حضورًا لافتًا من الطلبة والأساتذة، إضافة إلى ممثلين عن وسائل الإعلام، و منتخبون، وأطر من الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين. كما تخللته كلمات افتتاحية لمدير قطب الدراسات في الدكتوراه، ورئيس فرع الجمعية المغربية للصحافة الرياضية، إلى جانب كلمة لرئيس عصبة تادلة أزيلال لألعاب القوى.
وأكدت هذه الندوة على أن الدبلوماسية الرياضية لم تعد ترفًا أو مجرد عنوان إعلامي، بل أصبحت خيارًا استراتيجيًا للدول الطامحة إلى لعب أدوار محورية في محيطها. والمغرب، بإرادته السياسية ورؤيته البعيدة، يُثبت اليوم أنه قادر على توظيف هذه القوة الناعمة في كسب الرهانات الكبرى، وترسيخ موقعه كفاعل إقليمي وازن.