العمل الجمعوي ببني ملال نفس جديد، لشباب طموح…

15 يناير 2019
العمل الجمعوي ببني ملال نفس جديد، لشباب طموح…
وليد شرو، باحث بسلك دكتوراه

تعتبر مدينة بني ملال أكبر المدن ديموغرافيا بجهة بني ملال-خنيفرة، مما جعلها تشهد دينامية عمرانية سريعة، تعقدت معها الحياة وتزايدت مشاكلها، متأثرة في ذلك بعوامل داخلية مرتبطة بالتحولات المجالية وغيرها، وأخرى خارجية متمثلة في العولمة، الشيء الذي أدى إلى ضعف دور مؤسستها القديمة كأمين الحرفيين والمحتسب، وانضاف إلى ذلك ظهور أحياء جديدة لا تربط بنية سكانها أي علاقة اجتماعية أو عائلية أو قرابة، ناهيك عن تراجع دور الدولة في التدخل على المستوى الاجتماعي، كلها عوامل ساعدت على تنامي الفكر الجمعوي، الذي يعد إطارا موحدا بين فئات اجتماعية لها قواسم مشتركة فيما يتعلق برهاناتها وأهدافها .

هكذا ستشهد مدينة بني ملال في السنوات الأخيرة تزايدا في عدد فعاليات المجتمع المدني، من منظمات غير حكومية، وجمعيات ثقافية وتربوية ورياضية، حيث كان عددها سنة 2010 لا يتجاوز 288 جمعية ليرتفع عدد الجمعيات بشكل سريع جدا إلى أزيد من 1800 جمعية إلى حدود شهر يونيو من سنة 2018، وأمام هذا الرقم المهم، فإن متتبعي الشأن المحلي بمدينة بني ملال، يسجلون أداء لابأس به حيث أن نسبة مهمة منها ساهمت وتساهم في التنمية المحلية، وذلك بانخراطها في مشاريع متعددة، إما بشكل مستقل أو بشراكة مع فاعلين عموميين وخواص، داخليون وخارجيون. وقد كان للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي انطلقت سنة 2005، دور كبير في الدفع بالجمعيات لدخول مجال الشراكة في العديد من المشاريع، الشيء الذي جعلها تزيد من وثيرة انخراطها في مسلسل التنمية الترابية على مستوى المجال الملالي.
وتتعدد مجالات تدخل جمعيات المجتمع المدني بمدينة بني ملال، حيث تبين لنا من خلال التشخيص التشاركي الدي أنجزه المجلس الجماعي لبني ملال لإعداد برنامج العمل الجماعي لفترة 2017-2022 أن الجانب الاجتماعي هو المهيمن على اهتمامات هذا النسيج، إذ يمثل نسبة 48% من مجموع الجمعيات. ويمكن أن يعزى ذلك إلى الخصاص المهول الذي تعانيه المدينة في هذا الميدان، وفي المرتبة الثانية من حيث الأهمية نجد الجانب الرياضي، الذي تحتل فيه كرة القدم المرتبة الأولى، أما الجمعيات ذات الصبغة التربوية ومنها جمعية الأباء واولياء التلاميذ فتحتل المرتبة الثالثة، وقد أضحت هذه الاخيرة شريكا مهما، بكونها إطارا للدفاع عن مصالح التلاميذ واوليائهم، وتأتي في الأخير الجمعيات المهتمة بالجانب الثقافي والتي لا تمثل سوى 9%، مما يثير الانتباه إلى أن هذا الجانب لم يحظى بعد بالأهمية الكبيرة في صفوف المجتمع المدني.
وبالرغم من اختلاف ميادين اشتغال هده الجمعيات إلا أن هدفها يبقى واحدا، متمثلا في تفعيل وظيفتها كوسيط بين الأفراد وباقي الفاعلين، وذلك من خلال التحفيز وبإيجابية على تبني ثقافة التشارك على مستوى خلق المبادرات واقتراح البرامج وبلورة المشاريع، واقتراح الحلول لمختلف المشاكل والأزمات التي تواجه السكان واعتبارها حلولاً ذاتية، من خلال تدريب الأفراد والجماعات على اعتمادهم على أنفسهم في حل هذه المشاكل دون الانتظار لتدخل الدولة.
بناءا على ما سبق أخدت جمعيات بارزة في مدينة بني ملال على عاتقها تحمل مسؤولية المساهمة بشكل جاد في تحقيق التنمية المحلية في مختلف الميادين، سواء الاجتماعية منها والتي تدعم المصابين بأمراض مزمنة، أو أمراض مكلفة العلاج وذات أعباء نفسية ثقيلة، وكذلك بعض الفئات المهمشة. كلّ ذلك في سبيل منح الأمل إلى هؤلاء وعائلاتهم، ومدهم بجرعات الأمل في مواجهة أوضاع لم تتمكن الدولة وحدها من تحمل أعبائها، ومنها الثقافية التي أصبحت تفرض نفسها مؤخرا حيث توفر فرصة مثالية للالتقاء والتواصل وحقلا معطاء وشاسعا لتبادل الرؤى والآراء كونها تضم المبدعين والمثقفين المتعطشين إلى العطاء والإبداع الفني والساعين إلى التواصل وتبادل المعارف والتجارب والخبرات، فيجد المبدع نفسه بالتالي في إطاره الملائم الذي يوفر له سبلا عديدة وآفاقا متنوعة ومتنفسا لترجمة أفكاره وهواجسه ومشاريعه الإبداعية…
بالرغم من هذه الإيجابيات والمكاسب المتعددة والمتنوعة الذي توفرها الجمعيات في مدينة بني ملال إلا أن بعض الصعوبات والعراقيل للأسف تعترض سبيل الناشطين سواء من إدارة الجمعية أو من المنخرطين فيها ويتعلق الأمر بتعدد الجهات الوصية على العمل الجمعوي، الخلط بين العمل الجمعوي والعمل السياسي وكدا إكراهات مادية متمثلة في استمرار إنعدام أبسط الوسائل اللوجستيكية التي وجب توفرها لدى الجمعيات النشيطة خاصة الثقافية منها، هدا إلى جانب كلاسيكية أنشطة الجمعيات باقتصارها على مبادرات ولى الزمان عنها ولم تعد تساير التطورات الراهنة.
سواء هده المعيقات أو غيرها، فإن العمل الجمعوي يلعب دورا مهما في تحقيق التنمية المحلية، حيث أصبح هذا الأخير شريكا أساسيا في تحقيق التنمية لاسيما بعد ما أصبحت الدولة غير قادرة على تلبية الحاجيات الأساسية للمواطنين، إذ يعتبر عمل جمعيات المجتمع المدني إضافة نوعية، وأحيانا ضرورة تنموية لما تحققه من نجاعة واستمرارية ضمن سيرورة التدابير التنموية.
وفي هدا الصدد لقد أصبح من الضروري استحضار الإرادة الرشيدة انطلاقا من تكريس الديمقراطية الداخلية ومبدأ المواطنة داخل إطار الحركة الجمعوية، كما يتطلب من الجهات الفاعلة في التنمية (الدولة، الجماعات الترابية، القطاع الخاص…) بدعم المشاريع التنموية للجمعيات وفق ضوابط موضوعية وعادلة وتجنب الممارسات المشينة من زبونية وغيرها.

 

الاخبار العاجلة