عبد الكريم جلال
في أجواء مفعمة بروح الاعتزاز والانتماء، وتجسيدا لقيم الوفاء والاعتراف، نظمت جمعية الطارق لإحياء تراث جهة بني ملال خنيفرة، مساء يوم السبت 20 دجنبر، على الساعة الثامنة والنصف مساء، حفلا تكريميا متميزا بدار الثقافة بقصبة تادلة، احتفاء بنخبة من أبناء المنطقة الذين بصموا على مسارات مشرفة في مجالات السياسة والعمل البرلماني والجمعوي والتربوي، وذلك بحضور جماهيري لافت من مختلف الفعاليات المدنية والسياسية والثقافية.
وقد اختارت الجمعية أن تجعل من هذا الموعد مناسبة رمزية لتكريم شخصيات بارزة أعطت لتادلة وبدون مقابل الشيء الكثير، والتي خرجت من رحم تادلة، وحملت همومها، وساهمت بصدق في خدمة الصالح العام، كل من موقعه ومسؤوليته.
وبكل خشوعٍ يفيض إحساسا، وبكلمات تنبع من القلب قبل اللسان، تصدرت لحظة التكريم البرلمانية مديحة خيير، ابنة تادلة البارة، التي لم تكن يوما مجرد اسم في سجل التمثيل النيابي، بل كانت روحا تمشي بين الناس وتحمل وجعهم وأملهم معا. امرأة اختارت أن تحب الخير للجميع، فبادلها الناس حبا صادقا لا يُشترى ولا يُصطنع.
وراكمت مديحة حضورا نيابيا نابضا بالحياة، لا بالأرقام، حضورا يقاس بدمعة مريض، وبابتسامة امرأة وجدت من يسمع صوتها. كانت كلماتها تحت قبة البرلمان صدى لآهات مستشفى تادلة، ووجع الهامش الذي طال المدينة المناضلة الغراء. ولم تكن بعيدة عن الساكنة يوما، كانت قريبة كالقلب من الجسد، تحمل انشغالات تادلة في وجدانها قبل ملفاتها، وتنقلها بأمانة وشجاعة إلى حيث تصنع القرارات. وبحضورها الهادئ القوي، أعادت للمرأة التادلاوية ثقتها في نفسها، وفتحت لها دروب الأمل نحو مواقع القرار، لتقول بالفعل لا بالقول: إن الانتماء الصادق للأرض يصنع المعجزات، وإن السياسة حين تمارس بضمير حي، تصبح رسالة إنسانية تبكي الفرح قبل الألم.
وبخشوعٍ يلامس الوجدان، وبامتنان يليق بالمقامات الصادقة، يبرز اسم مَحمد جلال في قائمة المكرمين لا بوصفه مسؤولا مر من هنا، بل باعتباره مسارا إنسانيا كاملا كتب بالعرق، وصيغ بالصبر، وتوج بالإخلاص. رجل من طينة نادرة، رجل آمن بالفعل قبل القول، فكان نموذجا للمسؤول القريب من هموم الناس، جعل من خدمة الشأن المحلي والجهوي رسالة ومسؤولية ، لا طمعا في موقع أو امتياز…
هو مهندس دولة، لكن هندسته الحقيقية تجلت في بناء الثقة، وفي تشييد الأمل داخل النفوس، وفي تحويل الرؤية العلمية الرصينة إلى فعل تنموي ملموس يلمسه المواطن في حياته اليومية وفي شوارع تادلة الخضراء. جمع بين عقل مخطط وقلب منحاز للإنسان، فكان حضوره مختلفا، ومساره متفردا.
في بداياته الإدارية، وهو كاتب عام لإحدى الجماعات القروية، تعلم من الميدان ما لا تعلمه الكتب، هناك، وسط إكراهات الشأن المحلي وضيق الإمكانات، تشكل وعيه الحقيقي بالإدارة الترابية، واختبر معنى المسؤولية، وتعلم أن القرب من الساكنة ليس شعارا بل التزاما يوميا صعبا، يختبر في التفاصيل الصغيرة قبل المشاريع الكبرى.
وحين تحمل جلال مسؤولية رئاسة مجلس جماعة قصبة تادلة في مرحلة دقيقة وحساسة، لم يكن المنصب غاية، بل وسيلة. اشتغل في صمت، وخط إنجازاته بالفعل لا بالضجيج، فكانت التنمية عنده فعلا تراكميا، أساسه التخطيط السليم، والحكامة، والعمل الجاد، والوفاء للمدينة التي أحبها بصدق.
أما داخل مجلس جهة بني ملال خنيفرة، فقد كان صوت تادلة كما هو: صريحا، شجاعا، لا يزين الواقع ولا يهادن على حساب المصلحة العامة. قال ما يجب أن يُقال، ودافع عما يجب الدفاع عنه، واضعًا العدالة الترابية والتنمية المجالية فوق كل حساب، وفوق كل اعتبار.
فتكريم محمد جلال اليوم ليس لحظة بروتوكولية عابرة، بل هو اعتراف عميق بمسار بني على الفعل، ونضج بالتجربة، وارتقى بالالتزام الأخلاقي والوفاء للأرض والإنسان. هو تكريم لرجل آمن أن خدمة تادلة شرف، وأن خدمة الجهة أمانة، وأن السياسة حين تمارس بصدق… تصبح فعل كرامة يترك أثرا ويبقى.
وفي سياق تثمين العمل الجمعوي، كرم الحفل يوسف معتصم، الفاعل الجمعوي المعروف بقصبة تادلة، الفنان ورئيس المنظمة الوطنية للتكوين والإبداع محليا، تقديرا لمجهوداته في تنشيط الحقل الجمعوي، ودعمه لمبادرات التكوين والإبداع والعمل الاجتماعي، وإسهامه في تأطير الشباب وتشجيع المبادرات المواطِنة ذات البعد التنموي.
كما تم تكريم الأستاذ عبد الرحيم المنصوري، عرفانا بمساره الجمعوي، وما قدمه من خدمات في مجال مساعدة مرضى القصور الكلوي، حيث يعد من الوجوه التي أسهمت في تكريس ثقافة المعرفة، والتربية على المواطنة، والالتزام الأخلاقي داخل الجمعوي.
وقد تخللت فقرات الحفل لحظات إنسانية صادقة، امتزجت فيها الكلمة بالتأثر، وزاد من وهجها الكلمات الرائعة في حق الجمعية والمحتفى بهم، للصحفي المقتدر، الذي صدحت حنجرته لأكثر من ساعتين بهذه الكلمات الثاقبة والمؤثرة وهو محمد المغافري القدير.
واستحضرت فيها مسارات العطاء والعمل الهادئ، قبل أن تتوج بتقديم هدايا رمزية للمحتفى بهم، كعربون وفاء واعتراف بما قدموه من خدمات جليلة لتادلة وأبنائها. ولم تكن هذه الهدايا مجرد رموز مادية، بقدر ما كانت تعبيرا عن تقدير جماعي لمسارات نضجت بالصبر والاجتهاد، واستحقت عن جدارة أن تخلد باعتبار أصحابها شخصيات بارزة أعطت لتادلة بدون مقابل وأجزلت في العطاء، في لحظة جسدت عمق الانتماء وصدق الامتنان وروح الاعتراف التي تليق بمدينة لا تنسى أبناءها الأوفياء.
واختتم الحفل بشكر عبد اللطيف فتحي رئيس الجمعية، و بالتأكيد على أهمية مواصلة مثل هذه المبادرات، التي تعيد الاعتبار لقيم النزاهة والعطاء، وتؤكد أن التنمية الحقيقية لا تقوم إلا بتثمين الإنسان، والاعتراف بمن جعلوا من خدمة الوطن والمجتمع التزاما صادقا ومسؤولية دائمة.























