مُداولة… سُور بني ملال العَظيم!

19 أكتوبر 2021
مُداولة… سُور بني ملال العَظيم!
جمال مايس /رأي حر

 

تَنْظُر المحكمة الافتراضية الشعبية الملالية في الدعوى المُقدمة في حق سور بني ملال العظيم ، من حيث الشَّكل :

أولاً ، فسور بني ملال العظيم لم يأخذ من عظمة سور الصين سوى الإسم ، فما هو بسور ، ولا هو بحائط ، وما هو بتراث ، ولا بتاريخ ، وما هو بهُوية ، ولا بذاكرة ، سور شبيه بأسوار المقابر التي تحجب القبور، وتخفي روائح الموت ، هو سور شبيه بسور السجون القديمة ، يوحي بالبؤس و”الغمة” والحزن.

سورُُ مُزخرف بحجارة لا تحيل على أي شيء، ماهي للديكور ، ولا للبناء ، ماهي بفسيفساء ، ولا بزليج ، منها قطع كبيرة ، وأخرى صغيرة ، وأخرى متوسطة ، ومنها الدائرية المُقوسة ،في لوحات مبعثرة تُعبِّر عن الفوضى وانعدام التناسق وحس الجمال.قِطع أحجار تنظم بينها خيوط مائية ممزوجة ب”الخز” توحي للناظر انها بِركة متعفنة لاينقُصها سوى الضفادع والطُّفيليات والحشرات حتى يكتمل المشهد المُقزز.

سورُُ يتوسطه شُبَّاك حديدي شبيه بشبابيك مداخل المَقابر والأضْرحة ، وأولياء الله الصالحين . شُباك لونه قاتم ، يقلب عليك الأحزان والمواجع، يُبعد عنك الأفراح والمسرات ، يُشعرك بِغُبن منقطع النظير ، يُذكرك بضريح بويا عمر . حينها ترسخت في مُخيلتي صورة مُختل مُكبل بالسلاسل وهو يجلس بجانب الشباك ويمسك بأنامله الموجوعة بأطراف الحديد ، وينظر للزائرين بهدوء وشروذ..

أما من حيث مناقشة لب الموضوع :

أولا ، فكما يعلم الجميع ، لاسيما العارفين بالتاريخ ، فالأسوار لم تُبن عبثاً، وبفكرة مجنونة أو بشكل اعتباطي ، فقد لعبت هذه الأسوار أدواراً استراتيجية لحماية المدن من الهجمات الخارجية، ومن غارات الأعداء. فسور الصين العظيم والذي وضعت أولى لبناته سلالة “تزو” مابين القرن الثامن والرابع قبل الميلاد ، قبل أن تُتْمم بناؤه سلالة “الكينغ” في القرن الثالث قبل الميلاد. هذا السور العظيم (عظيم نظرا لحجم مهامه) ، كان هدفه حماية الصين من هجمات شعب المنشوريين الذين وصفهم الصينيون بالشعوب “المُتوحشة” في الشمال، والتي كانت تطمع في خيرات البلاد وتهرب أحيانا من المجاعات والحروب. كما كان يهدف بناء السور العظيم إلى تحصين البلاد من الناحية الغربية من هجمات الماغول الذين سفكوا الدماء واستباحوا الحرمات.

فالأسوار أيضا كانت سياسة استراتيجية نهجها الملوك والأمراء والزعامات الذين تعاقبوا على حكم المغرب، حماية لهم من الهجمات الغاشمة من القوى الاستعمارية الامبريالية، ولاسيما على طول السواحل المغربية، لقطع الطريق أمام الهجمات الخارجية وتحصين البلاد من توغل الأعداء، كما كانت أيضا تهدف إلى التحصين ضد الهجمات الداخلية خصوصا مع كثرة القلاقل والتطاحنات بين الزعامات التي كانت تُغير على بعضها البعض للسيطرة على المدن والقرى والقلاع وغيرها ، فكانت الأسوار مجهزة بجنود لايهدأ لهم بال ، وبمدافع ورُماة…

ومع توالي السنين والقرون ، أصبحت هذه الأسوار في خبر كان ، ومنها من تعرض للدمار والزوال ، ومنها من لا يزال يقاوم الزمن، ومنها من قاوم وتحول إلى تراث وثقافة راسخة في الوجدان بين الأجداد والأحفاد، كسور الصين الذي صمد شامخا لأزيد من 28 قرن من الزمن، وليس كسورنا المسكين ببني ملال الذي لم تمر عليه سوى 4 سنوات حتى تهالك و”تخزَّز” وبدأ يتساقط رُوَيْداً رُويدا…

وعودة إلى سور بني ملال العظيم ، فالفرق بينه وبين سور الصين في العظمة ، فالأخير كانت له أهداف عظمى حربية استراتيجية ، أما سورنا المسكين فله اهداف عظمى تشويهية عُمرانية، كانت فكرته غبية اعتباطية قيل ان صاحبها أراد أن يُحيي السور القديم، فقام مجلسنا البلدي المُحترم ببناء سور شبيه في مكان كان أحوج إلى عمارات ومطاعم ومقاهي عصرية مُوحدة على شاكلة المدن الكبرى، وليس إلى سور بدأ يتهالك ووُلد ميتاً مُدمَّراً ، صُرفت عليه ملايين السنتيمات، ميزانية ضخمة كان الأفضل أن تُحَوَّل إلى إعداد تصميم موحد للبنايات المتواجدة بالشارع الاستراتيجي الوحيد الذي يُعد شريان هذه المدينة التي أُريدَ لها أن تعيش تحت براثين التهميش في كل المجالات ، التهميش اقتصاديا ، واجتماعيا ، وثقافيا ، وهاهي اليوم تتعرض للترييف والتهميش عُمرانياً ببناء أسوار يصح ان نُطلق عليها المثل الشعبي (ألمزوق من برا ، اش خبارك من الداخل)…

وهذا يجعلنا نستخلص في الأخير بناء على التحليل العلمي والتقني والموضوعي، ان بناء هذا السُّور شكلا وموضوعا يبقى جريمة عُمرانية مكتملة الأركان في حق هذه المدينة التي يفوتها كل يوم قطار التطور والنماء والإزدهار…

الحُكم لساكنة القليمية بعد المُداولة….

الاخبار العاجلة