نـظـرة سـوسـيـو ـ قـانـونـيـة  على قرار منع الأعـراس بسبب تدهور الحالة الوبائية

21 يوليو 2021
نـظـرة سـوسـيـو ـ قـانـونـيـة  على قرار منع الأعـراس بسبب تدهور الحالة الوبائية
ذ.مروان اغرباوي / محام

البريد الالكتروني : avocat.maro.agh@gmail.com

 

ليس من شك أن تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد بالمغرب ـ لاسيما في ظل شبح الانتشار السريع للمتحور الهندي “دلتا” ـ كان يُنذر بقرب اتخاذ الحكومة لقرارات جديدة من أجل محاولة وقف تدهور الحالة الوبائية و تفادي سيناريوهات مؤلمة كتلك التي تعرفها بعض دول الجوار من قبيل تونس التي تُحصي ضحايا الوباء بالعشرات يوميا والإصابات بالآلاف مع ما ترتب عن ذلك من انهيار للمنظومة الصحية هناك.

        وبالفعل، وكما كان منتظرا، قررت الحكومة مساء يوم 19 يوليوز 2021  اتخاذ مجموعة من التدابير الاحترازية التي ستدخل حيز النفاذ ابتداءً من يوم الجمعة 23 يوليوز 2021، والتي من بينها قرار منع جميع الأعـراس.

         هذا القرار المتخذ طبقا للقانون في إطار مرسوم إعلان حالة الطوارئ الصحية ـ والذي تفسره مؤشرات الحالة الوبائية المقلقة ببلادنا ـ لم يرق العاملين بقطاع تنظيم التظاهرات ومموني الحفلات والمناسبات وكذا زبنائهم، حيث انتشرت عبر المواقع الالكترونية مجموعة من الفيديوهات التي تبث شهادات بعض هؤلاء العاملين بالقطاع خاصة منهم الممونين بالإضافة لشهادات بعض المواطنين المعنيين مباشرة بقرار المنع وعائلاتهم على اعتبار أنهم كانوا مقبلين على تنظيم عـرس في الأيام والأسابيع المقبلة، الأمر الذي جعل هؤلاء يُثيرون مجموعة من التساؤلات، نَجمعها في تساؤلين اثنين  يتقاطع فيهما ما هو قانوني بما هو اجتماعي يُكرس مرة أخرى درجة اللاوعي ـ إن لم نقل الجهل ـ والخوف الشديد من لهيب “كلام الناس” حسب شهادات زبناء “الأعراس الموقوفة التنفيذ”.

       فأما بالنسبة التساؤل الأول المطروح فهو يتعلق بمآل العـربون الذي تم دفعه من طرف الزبون (العريس أو العروسة) للممون أو صاحب القاعة وبشكل عام لمُنظِم العـرس، و هنا من المعلوم أن قانون الالتزامات والعـقـود واضح بهذا الخصوص على اعتبار أن الفصل 290 منه ينص صراحة على أنه “إذا كان الالتزام غير ممكن التنفيذ، أو إذا ُفـسِـخ، بسبب خطأ الطرف الذي أعطى العربون، كان لمن قبضه أن يحتفظ به..”، وبالتالي و أمام عدم ارتكاب الطرف الذي أعطى العربون لأي خطأ فإن الممون مُلزم قانونا بإرجاع العـربون لزبناء “الأعراس الموقوفة التنفيذ”، لكن يبدو أن هؤلاء وباعتبار أنهم مصممون على تنظيم عادة أو تقليد “العـرس” فإن الواقع العملي غالبا ما يعرف اتفاق الطرفين ـ مُكرهين نظرا لدفع الممون بكون العربون قد تم صرفه لاقتناء السلع اللازمة ـ على احتفاظ الممون بالعربون في انتظار رفع المنع مرة أخرى عن إقامة الأعراس.

        أما التساؤل الثاني المطروح فهو يتعلق ب “مآل الزواج نفسه”، و هو ما يثير نوعا من الاستغراب حـول درجة وعي هؤلاء المواطنين الذين يربطون الزواج بالعـرس، والحال أن القانون من خلال مدونة الأسرة واضح في هذا الباب و لا يشترط في عقد الزواج إقامة عـرس أو التعاقد مع “طريطور” و “نكافة” كما أنه لا يشترط لصحة الزواج أن يكون هناك “الشطيح والرديح” إلى غير ذلك من العادات والتقاليد التي أصبحت ـ مع الأسف وبدون حق ـ في نظر هؤلاء شروطا أساسية لا محيد عنها للزواج، بل إن منهم من وصل به الحال إلى الدخول في حالة صدمة و”هيستريا” بعد معرفتهم بقرار المنع ـ حسب الفيديوهات والشهادات المتداولة عبر الوسائط الإلكترونية ـ مبررين ذلك بالنسبة لهم بخوفهم من كلام العائلة والجيران والمجتمع بشكل عام، وحال لسانهم يقـول : “شنو غادي ندير مع الناس المعروضين ؟ شنو غادي نقول لهم ؟..” إلى غير ذلك من التساؤلات الناتجة عن الضغوط الاجتماعية الرهيبة التي أصبح يعيشها الناس بِحكم قلة وعـيهم والرغبة في إرضاء المجتمع وتقديس تقاليده وعاداته المتوارثة و تكريس النفاق الاجتماعي، على حساب تحكيم العقل والمنطق ومصلحتهم كأزواج جديدين.

        وهنا لا بد من التذكير بأن المادة 4 من مدونة الأسرة تُعرف الزواج قانونا بأنه “ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين..”، كما حددت مدونة الأسرة من خلال المواد من 10 إلى 13 شروط الزواج في الإيجاب والقبول الذي يجب سماعه من طرف عدلين وتوثيقه، والأهلية وعدم الاتفاق على إسقاط الصداق و ولي الزوجة (حالة كونها قاصر مثلا)  بالإضافة لانتفاء الموانع الشرعية ( مثلا كالقرابة والمصاهرة والرضاع ..)، ثم سلوك مسطرة بسيطة على مستوى قسم قضاء الأسرة لمحل إبرام العقد من خلال تكوين ملف يضم وثائق منصوص عليها في المادة 65 من مدونة الأسرة تمهيدا للحصول على إذن بتوثيق عقد الزواج، وبالتالي فإن القانون لا يشترط لصحة عقد الزواج ضرورة اللجوء إلى “الطريطور” و”النكافة” وباقي الأمور التي يعتقـد زبناء “الأعراس الموقوفة التنفيذ” أنها من شروط صحة الزواج.

        لــكــن، و بالتمعن في شهادات زبناء “الأعراس الموقوفة التنفيذ” و هي الشهادات التي يطبعها نوع من التوثر والصدمة والخوف من “كلام الناس”، يظهر جليا بأن جُـل هؤلاء وعلى الرغم من حصول بعضهم على شواهد جامعية عُـلـيا إلا أنها لم تُـسعـفـهـم ـ مع الأسف ـ في تصحيح العديد من المغالطات المتعششة في الأذهان و القطع مع التقاليد و العادات المتخشبة في الكيان العقلي المجتمعي، مما فوت عليهم طرح تساؤل معقول : أليس من الأجدر بالنسبة لهؤلاء العرسان المعتبرين “كزبناء لأعراس موقوفة التنفيذ” أن يركزوا على الميثاق الذي يربط بينهما والتحديات التي تنتظرهما لتحسين مستواهما الاجتماعي وتكوين أسرة مستقرة سعيدة متوازنة بدل التركيز على إرضاء عادات اجتماعية فارغة المحتوى لن يستفيدا منها شيئا باستثناء ربما صورا فوتوغرافية ـ تعتليها قسمات التعب على وجهيهما ـ لا تسمن ولا تغني من مرض “النفاق الاجتماعي” و فيروس “إرضاء الناس”.

الاخبار العاجلة