غابت الشمس : حتى لا تخفي البغريرة ما في الطنجية ..

12 سبتمبر 2018
غابت الشمس : حتى لا تخفي البغريرة ما في الطنجية ..
عبد الله عزي

يقول وليام شيكسبير، “قبل المناقشة، خذ لك نفسا عميقا. قبل الكلام، استمع جيدا. قبل إصدار الانتقادات، امتحن نفسك. قبل أن يصدر منك الشر، تمعن. قبل أن تحبط، أعد المحاولة”.
نستحضر هذه المقولة في زمن خبا فيه صوت المثقف والأكاديمي والخبير، في زمن التواصل الافتراضي الذي هو نتيجة لعلم السيبرنتيك. يغيب عندنا الحوار الذكي المنساب بلا تكلف، والمؤطر بمرجعية ثقافية وعلمية، تتأمل وتفسر تحلل وتأول قضايا وانشغالات المجتمع. تغيب النخبة أو بالأصح تغيب عن مشهدنا الإعلامي، ليظل الناس منشغلين بردود أفعال حول قضايا تمس حاضر ومستقبل البلد، وقليل منها ينفذ إلى الجوهر، كما هو واقع الحال فيما يتعلق بإقحام كلمات دارجة في مقررات التعليم، وهو ما تم التنديد به على نطاق واسع، وشمل هذا التنديد كلمات عربية فعلية لاعتقاد البعض أنها دارجية وغير فصيحة، وهو مما جعل بعض المثقفين يدلون برأيهم في الموضوع، سواء تعلق الأمر بالكلمات المدرجة في المقررات أو غير المدرجة، كما هو حال الشاعر مبارك وساط، الذي أسهم بتدوينة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” والتي من بينها على سبيل المثال : – صرَّ: ورد في “لسان العرب” لابن منظور: “صَرَرْت الصُّرَّة : شددتُها . – العصيدة: في “لسان العرب”: “قال الجوهري والعصيدَةُ التي تَعْصِدُها بالمسواط فَتُمِرُّها به فتنقلب ولا يَبْقَى في الإِناءِ منها شيء إِلا انقلب، وفي حديث خَوْلَةَ: فقَرَّبْتُ له عَصِيدَة هي دقيق يُلَتُّ بالسمن ويطبخ. يقال عَصَدْتُ العصيدة وأَعْصَدْتُها”. – رَزَمَ هذا الشّخصُ من المرض، في ” لسان العرب”: – قال الجوهري الرَّازِم من الإبل الثابت على الأرض الذي لا يقوم من الهُزال، ورزَمت الناقة تَرْزُمُ وتَرْزِمُ رُزُوماً ورُزاماً: قامت من الإعياء والهُزال فلم تتحرك، فهي رازِم. وفي حديث سليمان بن يَسار، وكان فيهم رجل على ناقة له رازمٍ أي لا تتحرك من الهُزال… ويقال رجلٌ مُرْزِم للثابت على الأرض”.
– رزم، بمعنى آخر، في “معجم العربية المعاصرة”: رزَم الورقَ ونحوَه جمعه في شيء واحد ولفَّه. وغيرها من الكلمات التي أحال الشاعر على تداولها واشتقاقاتها من خلال بعض النصوص التراثية كالسخينة وغيرها.
وعليه فإن الأحكام الصادرة عن البعض، لم تتحر الدقة في البحث، ولم تمتحن نفسها قبل إصدار النقد، ولم تستمع قبل الكلام بحسب تعبير شكسبير، والأكثر من ذلك أن البعض روج لمعطيات مغلوطة، مع تحريف بعض النصوص وإدراج صور لا علاقة لها بالمقررات التربوية، وبذلك نجحت هذه الحملة في تحريف النقاش عن جوهره، بالخوض في جزئيات، اختزلت فيها أعطاب المنظومة التعليمية، كما هو حال لجان الإصلاح التي انكبت وعلى مدار ربع قرن بين فينة وأخرى على تشخيص واقع التعليم دون النفاذ إلى عمق الإصلاح، وتغييب تصورات الفاعلين في الحقل التربوي والأكاديميين والجامعين، من محمد عابد الجابري إلى عبد الله العروي، مرورا بالخبراء الدوليين، ومن أبرزهم الفيلسوف الفرنسي إدكار موران، صاحب كتاب معنون بـ:
Les sept savoir nécessaires à l’éducation du futur ، وهو ضمن منشورات اليونسكو، ومتوفر على الأنترنيت، الكتاب يستجلي الشكوك والوساوس التي تبرز حقا في مواجهة المستقبل، وحول ما سيصير عليه عالم أطفالنا وصغار أطفالنا وأطفال أطفال صغارنا، لكن المعطى الذي يجب التأكد منه، هو أنه إذا أردنا أن تستجيب الأرض لحاجيات الكائن الأساسي الذي يعمرها، أي المجتمع الإنساني، والمحكوم بالتحول، حيث سيكون عالم الغد مختلفا عن حاضر عالم اليوم، وحتى يكون معاشا، فإنه مطالب بتحقيق الإنصاف والعدالة الاجتماعية والسلم، والاستدامة باعتبارها أساس العيش المشترك، والمدخل إلى ذلك هو التعليم والتربية بمعناها الواسع، نظرا للدور الذي تلعبه في هذا السياق، كقوة تقودنا نحو المستقبل وأداة للتفكير في نمط حياتنا والإجابة عن حاجيات مجتمعنا.
تلك هي الفلسفة التي يقوم عليها الكتاب، نستحضرها ونحن نرى منظومتنا التربوية على علاتها في تفريخ البطالة وتكريس الجهل، وحتى الأطر والكوادر ممن فرضوا أنفسهم واستطاعوا بكدهم ودعم أوليائهم الوصول إلى مستوى أرقى في الدراسة بالمغرب أو الخارج، كثير منهم يفضل البقاء في بلاد المهجر أو الهجرة نحوها، فعلى صعيد فرنسا لوحدها، تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 38.000 طالب في بلاد الأنوار غالبيتهم لا تعود إلى المغرب، فعلى مستوى الأطر الطبية يتواجد بفرنسا حوالي 7000 طبيب، أما المهندسون فيعدون بالآلاف، وخلال العام الجاري 2018 غادر نحو الخارج 800 إطار و1200 رجل أعمال و600 مهندس و630 طبيب، كل هؤلاء طبعا سيحتفظون بلهجتهم ودارجتهم المغربية، حين سيسألون عن حال البلد: “راه كيف داير”؟.
فمن أين نبدأ من الدارجة، أم المجانية، الهدر المدرسي، أم هجرة الأدمغة والكوادر، التراجع الجامعي والأكاديمي وانتعاش الفساد بالجامعة المغربية “الماستر مقابل النفط”، أم المناهج والبرامج والأنظمة التعليمية؟
كم من الأسئلة، تؤلف سيناريو طويل عريض عن خيباتنا وهزائمنا المحبطة، ومع ذلك نتمنى محاولة جديدة للإصلاح تغوص في الجوهر وتستحضر متطلبات أجيال المستقبل.

 

الاخبار العاجلة