في حوار خاص مع تاكسي نيوز الدكتورة فاطمة الزهراء بنيوسف تتحدث عن نتائج دراستها العلمية للنفايات الصلبة بقصبة تادلة و عن تجربة التدبير المفوض للنظافة بالمدينة

17 يناير 2018
في حوار خاص مع تاكسي نيوز الدكتورة فاطمة الزهراء بنيوسف تتحدث عن نتائج دراستها العلمية للنفايات الصلبة بقصبة تادلة و عن تجربة التدبير المفوض للنظافة بالمدينة

أجرى الحوار : محمد البصيري

 

 

خصت الدكتورة فاطمة الزهراء بنيوسف تاكسي نيوز بحوار هام، تحدثت فيه عن نتائج دراستها لنيل شهادة الدكتوراه، و المتعلقة بتقنيتين علميتين لمعالجة النفايات الصلبة و عصارة الليكسفيا الناجمة عنها. و عرضت بنيوسف خلاصات تجربتها في مجال تدبير قطاع النفايات الصلبة بمدينة قصبة تادلة، وأبدت كامل استعدادها لبلورة خلاصات دراستها على أرض الواقع، كما أنها لم تخف تفاؤلها بمستقبل تدبير النفايات و الحفاظ على الموارد الطبيعية ببلادنا.
الدكتورة فاطمة الزهراء بنيوسف حاصلة على دبلوم الماجستير سنة 2009 بكلية العلوم و التقنيات بفاس في مجال جودة المياه و الوسط البيئي، و على شهادة الدكتوراه سنة 2017، في موضوع “إشكاليات النفايات الصلبة، وتقنيات معالجة عصارة الليكسيفيا عبر نظام (UASB)، و عبر التبخير(Evaporation forcée)، نموذج مدينة قصبة تادلة.

 

نص الحوار: 

 

1- أشرفتم لسنوات على تدبير قطاع النفايات الصلبة بمدينة قصبة تادلة. كيف واكبتم هذه التجربة التي تعتبر الأولى من نوعها بالمدينة في إطار التدبير المفوض؟

انطلقت تجربة التدبير المفوض للنظافة بمدنة قصبة تادلة في أبريل سنة 2009، و التحقت للعمل بهذا القطاع بعد مرور سنة. في البداية واجهت التجربة بعض المشاكل، نظرا لكون الساكنة لم تتأقلم بعد مع التجربة الجديدة، ولكون الجماعة كانت تدبر هذا القطاع بوسائلها الذاتية، وجمع النفايات من أمام المنازل. التأقلم مع الإيقاع الجديد لم يخل من صعوبات خاصة سنتي 2010 و 2011، سواء بالنسبة للعمال الذين كانوا تابعين للجماعة و تم تفويتهم للشركة، وحتى بالنسبة للسكان كانت صعوبات في التعامل مع قطاع خاص، بعدما ألفوا لعقود وضع النفايات بالقرب منمساكنهم، حيث تم تعويض ذلك بنظام الحاويات. كنا على وعي تام آنذاك بضرورة مرحلة للتأقلم . بعد ذلك تحسنت الأمور بشكل ملحوظ. من الطبيعي أن تحصل مشاكل من هذا النوع في غياب دراسات قبلية. بالنسبة للتجربة الثانية الحالية رفقة شركة أخرى، يمكن أن أؤكد لكم أن 60 إلى 70 في المائة من المشاكل تمت معالجتها خلال دراسة الصفقة الثانية. فالمجلس البلدي الحالي أخد بعين الاعتبار إكراهات التجربة الأولى قبل الموافقة على الصفقة، عكس التجربة الأولى التي تمت في غياب الدراسة و المهنيين في المجال. الآن و بحكم المشاكل الحاصلة في عدد من المدن، يمكن أن أؤكد لكم و دون مبالغة، أن تجربة قصبة تادلة تبقى نموذجية و ناجحة إلى حدود 90 في المائة. هناك انخراط و تجاوب مسؤولي الجماعة، إلى جانب ممثلي السلطة المحلية الذين يساهمون في حل عدد من المشاكل. هناك حقيقة تكامل بين المجلس البلدي و السلطة و الشركة، و هو ما يشجعنا على بدل المزيد من العمل و الاجتهاد. وحتى العمال يمكن أن أقول أنهم طوروا أدائهم خلال التجربة الثانية بنسبة 80 إلى 90 في المائة، مما يبشر بان الأمور ستكون على أحسن ما يرام في ضل استمرار هذه المعطيات المشجعة.

2- اشتغلتم في الدراسة التي قمتم بها لنيل شهادة الدكتوراه على موضوع النفايات الصلبة لمدينة قصبة تادلة. ما هي أهم الخلاصات التي توصلتم إليها؟

لما التحقت للعمل بقصبة تادلة، قررت مواصلة دراستي الجامعية، و إنجاز بحث الدكتوراه حول نفايات المدينة، الذي قمت بإنجازه بين سنتي 2011 و 2016. ففي ظرف ست سنوات تمكنت من تصنيف نفايات مدينة قصبة تادلة و تتبعها طيلة هذه الفترة، و ذلك من أجل معرفة التقنيات الملائمة لمعالجة نفيات المدينة. اشتغلت على النفايات الصلبة و على العصارة المترتبة عنها (Les lexiviats). الجزء الأول كان حول النفايات الصلبة، من خلال تتبع و تحليل نفايات المدينة. توصلت في الدراسة إلى أن النفايات العضوية تشكل نسبة كبيرة (حوالي 74 في المائة)، و التي تتخمر و معالجتها ممكنة عبر عملية تدوير النفايات (compostage)، و هي التقنية المتلائمة مع نفايات قصبة تادلة. و لمعالجة عصارة الليكسيفيا اعتمدت في دراستي على تقنيتين للمعالجة. التقنية الأولى للمعالجة عبر نظام (UASB)، وهي تجربة سبق التطرق إليها خلال تدارس مشروع بالمدينة بشراكة مع دولة هولندا، بحكم مناخ مدينة قصبة تادلة المتميز بالحرارة المرتفعة، خاصة أن فترة انخفاض الحرارة لا تتجاوز سنويا معدل شهرين. هذه التقنية ملائمة لقصبة تادلة، وغير مكلفة لتشغيل المفاعلات، فحرارة المنطقة دعامة أساسية لضمان نجاح التجربة. فمن خلال الدراسة و نتائجها، تبين أن نسبة المعالجة بلغت 95 في المائة، وقد تم نشر هذه النتائج بجرائد دولية متخصصة. بعد هذه التقنية، اشتغلنا على تقنية ثانية، تعتمد على عملية التبخر بحكم طبيعة مناخ المنطقة الذي يعتبر إيجابيا في هذا الصدد و يجب الاستفادة منه. قمنا بعملية التبخير (Evaporation forcée)، التي كانت تستعمل بالنسبة للمياه العادمة و لم يسبق أن استعملت بالنسبة لعصارة الليكسيفيا. و النتائج تم نشرها ضمن منشورات دولية متخصصة. التجربة ذات أهمية وأعطت نتائج مبهرة، و قمت بإنجازها لأول مرة بقصبة تادلة، و رغب أناس بمدن أخرى الاستفادة منها و لازلنا في مشاورات بهذا الخصوص. فهذه التقنية غير مكلفة و تتطلب فقط توفير أحواض (Bassins)، بدون كساء إسمنتي. استعملنا أحواض حديدية، لأن مادة الحديد و عند إخضاعها لحرارة مرتفعة، تساهم في ارتفاع نسبة التبخر، كل العصارة تبخرت، و ترسبت بعض البقايا التي قمنا بتجارب أخرى للتخلص منها، وسنعلن عن هذه النتائج رسميا مستقبلا. فحتى هذه البقايا قابلة للتدوير (ٌRecyclable). فلإعلان نجاح التجربة يجب أن لا تفرز مخلفات و بقايا، أي لا يجب معالجة جزء و يبقى الجزء الآخر.
نتائج التقنيتين المذكورتين أعطيا نتائج مشجعة و بإمكانيات بسيطة و غير مكلفة تناسب إمكانيات المدينة، و أنا على كامل الاستعداد للإنخرط مع مدينة قصبة تادلة ، والمساهمة في بلورة هذه التجربة من خلال إنشاء أحواض للتخلص من مادة الليكسيفيا الخطيرة. و لأوضح هذه المخاطر، تصوروا معي أن برميلا حديديا مليئا بعصارة الليكسيفيا خلال التجربة، و بعد مدة اكتشفت أن حديد البرميل صار هشا و فقد مكوناته، و تحول وكأنه برميل من “الكارطون”، ما بالك بالأضرار البيئية و الصحية لهذه العصارة الخطيرة. فشاحنات نقل النفايات الصلبة، تقوم بتجميع العصارة خلال شحن و نقل النفايات إلى المطرح داخل خزان مخصص لذلك، يعني أننا محتاجين فقط لأحواض مراقبة لجمع هذه العصارة الجاهزة، لأن العملية صعبة بالمطارح العشوائية.

3- باتت مطارح النفايات الصلبة العشوائية غير المراقبة تطرح مخاطر صحية و بيئية حقيقية بالعديد من الجماعات الترابية، ما السبل لتجاوز هذه المخاطر؟

تحديات المطارح العشوائية و المشاكل الصحية و البيئية المترتبة عنها، مطروحة على المستوى العالمي بكثير من الدول، و تتطلب تعبئة كبيرة للتغلب على مخاطرها وللحفاظ على الموارد الطبيعية. فمثلا الأدخنة المنبعثة من المطارح العشوائية المجاورة لعدد من المدن،هي ناجمة عن تخمر المواد العضوية (Fermentation). إذا حدث التخمر في غياب الأوكسجين، فإنه يفرز الميتان و ثاني أوكسيد الكاربون، وإذا توفر الهواء أي الأوكسجين تشتعل تلقائيا النيران و ليس بفعل فاعل كما قد يعتقد البعض. تحلل المواد العضوية يزيد من ارتفاع درجة الحرارة و يعطي غازات قابلة للإشتعال. المطارح العشوائية تطرح أيضا مشكل عصارة الليكسيفيا التي تتسرب داخل التربة. فالمشكل أن جل إن لم نقل كل المطارح العشوائية لا يتم اختيار أماكنها بناء على معايير، يكفي و جود فضاء جاهز للتخلص من النفايات، حتى لو كان مجاورا للمدينة وهذا ما نجده بجل الجماعات الترابية.
الجهات المعنية حاليا تقدم الدعم للتخلص من المطارح العشوائية، شريطة إنجاز المشروع و متطلباته. فالنفايات لا يجب النظر إليها بشكل تبخيسي، فهي أصبحت مصدر موارد مالية مهمة و منتجة لفرص الشغل الدائمة، إنها بمثابة كنوز، يجب استثمارها كما هو معمول به بالدول المتقدمة. فعائلات عديدة يمكن أن تكسب قوت يومها من المطارح و في ظروف ملائمة، فضلا عن حماية الوسط البيئي، إذا ما تم تدبيرها بشكل معقلن. فعلى سبيل المثال هناك تجارب في هذا المجال، فبمدينة فاس هناك مطرح مراقب ينتج الطاقة الكهربائية لإنارة عدد من شوارع المدينة، و هناك تجارب أخرى.

4- سوسيولوجيا، يعتبر تغيير العقليات و السلوكات أمرا عسيرا، يستلزم الكثير من الوقت و إجراءات مواكبة. ما هي برأيكم أهم الاجراءات المواكبة لضمان ترشيد تعامل المواطنين مع النفايات؟

أكيد، أن تغيير العقليات و السلوكات مهمة شاقة و تتطلب النفس الطويل. ففي العقدة المبرمة بين شركة المفوض لها تدبير النفايات و الجماعة، هناك بنود تنص على ضرورة القيام بحملات تحسيسية، وهي التي نحاول جاهدين الانخراط فيها، من خلال التنسيق و التعاون مع بعض جمعيات الأحياء و داخل المؤسسات التعليمية التي نتفاعل داخلها مع التلاميذ و نوزع منشورات و ننجز عروضا و حملات نظافة داخل و خارج بعض المؤسسات. هناك مبادرات لبعض جمعيات الأحياء في مجال النظافة و التشجير و الصباغة، و هي مبادرات نثمنها و نساهم فيها. لكن أثرها يبقي في تقديري محدودا ما لم تشارك فيها شرائح واسعة من الساكنة، بدل بعض أعضاء الجمعية. و كما قلت من قبل، فقد راكمنا تجربة مهمة بمدينة قصبة تادلة، وسجلنا تطورا ملحوظا. لقد قمت بإنجاز بحث حول فرز النفايات انطلاقا من المصدر أي من المنزل سنتي 2014 و 2015، و استخلصت حصول تطور بنسبة 40 في المائة، حيث بدأت بعض الأسر تستوعب أهمية الفرز، و بدأ الوعي البيئي يترسخ تدريجيا. ونأمل أن ينخرط الجميع من أجل ضمان نظافة و رونق جميل لمدينة قصبة تادلة.

5- تدبير النفايات الصلبة و السائلة و الحفاظ على الموارد الطبيعية، بات تحديا حقيقيا للمغرب الذي احتضن السنة الماضية القمة العالمية للتغيرات المناخية كوب 22، كيف يمكن في نظركم ربح هذا الرهان الذي انخرطت فيه بلادنا من أجل ضمان تنمية مستدامة؟

فعلا، هناك توجه إيجابي في السياسات العمومية لكسب الرهانات البيئية المطروحة، و بلدنا منخرط في ذلك، وهناك تطور ملحوظ. فمثلا على مستوى التقليص من استعمال الأكياس البلاستيكية، سجلنا تحولا كبيرا، مما ساعدنا في عملنا و كان له تأثير إيجابي على الوسط البيئي. فقد كانت معاناتنا مريرة في السابق مع الأكياس البلاستيكية المشوهة للمحيط البيئي و التي يصعب تحللها و التخلص منها، مقارنة بالأكياس الورقية و “الكارطونية”. أتمنى أن تلي هذه الخطوة خطوات أخرى، وأنا جد متفائلة بمستقبل تعاطي بلادنا مع قضايا البيئة.

الاخبار العاجلة