الفقر بالمغرب… هؤلاء مسؤولون عنه وهذه أشكاله وأسبابه وحلوله – تحليل شامل للدكتور جواد طالب-

30 نوفمبر 2017
الفقر بالمغرب… هؤلاء مسؤولون عنه وهذه أشكاله وأسبابه وحلوله – تحليل شامل للدكتور جواد طالب-
ذ. جــواد الطــالب اجازة في علم الاجتماع خريج ماستر قانون المنازعات العمومية بفاس إطار بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة بني ملال خنيفرة
لقد اهتم علماء الاجتماع بالفقر كظاهرة اجتماعية منذ منتصف القرن 19 اي مع نشأة المجتمع الصناعي، حيث أن هذا الاخير رافقه عدة مشاكل اجتماعية مرتبطة بالسكن والصحة والشغل. فتزايد الاهتمام بالظاهرة مع ارتفاع مستوى البطالة لتطرح ما يسمى بالمسألة الاجتماعية، حيث تم الاهتمام بالفقر كظاهرة جديدة اطلق عليها اسم ظاهرة التفقير حسب عالم الاجتماع RENY LENOIR.
تعددت التعريفات والمفاهيم للفقر، ومن بين الاجتهادات النظرية الاكثر تأثيرا في التناول الجديد لظاهرة الفقر والتي كان لها الاثر الكبير على شبكة تحليل الفقر من منظور الامم المتحدة، هناك مساهمة العالم الهندي الشهيرAMARTIA SEN والذي يقول في تعريفه للفقر “بأنه نقص خطير في القدرات التي تمكن كائنا بشريا من التمتع بالخيرات المادية وغير المادية المتوفرة للبشرية في زمان ومكان معينين”. ومن هذا التعريف خلص AMARTIA SEN إلى أن سبب الفقر هو انعدام المساواة على مستوى الدخل أو الإنجاز الوظيفي أو الحريات. بمعنى النقص في القدرات والفرص المتاحة والامكان البشري الناتج عن اللامساواة او عدم التكافؤ الفعلي في حقوق التمتع بالاختيارات والفرص المتاحة في بعض مجالات الحياة الأساسية والحيوية مثل الدخل الأدنى والتعليم والصحة والعيش اللائق.
تبدو ظاهرة الفقر ذات طابع انساني، إلا أنها عندما تتسع وتتطور تتحول الى مشكلة اجتماعية قد تهدد استقرار وكيان المجتمع، فتفرض ذاتها على اجندة السياسات العمومية، عن طريق تدخل الدولة والسلطات المعنية بتحديد من هم الفقراء وكيف يجب مساعدتهم. إلا أن مسألة تحديد الفقراء ووضع مقياس للفقر يختلط فيها الاقتصادي بالاجتماعي، فإذا كان الاقتصادي يهتم بمؤشرات معدل الدخل وكل ما هو مادي، فإن السوسيولوجي يذهب إلى ما هو أبعد، حتى أن هناك من ربط بين نشأة علم الاجتماع بنشأة علم الفقر حيث يقول ” جيرار لوكلير” ألا يمكن اعتبار نشأة علم الاجتماع قد جاءت نتيجة لنشأة علم الفقر؟ ألم تكن السوسيولوجيا هي العلم الذي يهتم بكل ما يتعلق بالفقراء؟ في حين كان الاقتصاد السياسي هو العلم الذي يهتم بكل ما يتعلق بالأغنياء أي بالخيرات انتاجا وتوزيعا؟
إن مسالة تحديد من هو الفقير ليست بالأمر الهين ولذلك لتجاوز الطابع النظري عمد بعض علماء الاقتصاد والاجتماع الى طرح ضرورة التمييز عند الحديث عن الفقر بين مفهومين أساسين هما الفقر المطلق، عالم الاقتصاد والاجتماع الانجليزي “ROWNTRE” والفقر النسبي، العالم الأمريكي “MICHAEL HARNECTON”. لكن الحكومات غالبا ما تبتعد عن هكذا مفاهيم لتقدم لنا معدل الفقر بالأرقام المجردة.
وهكذا، في تقريرها الجديد أعلنت المندوبية السامية للتخطيط أن معدل الفقر في المغرب تقلص من 15,3 في المائة سنة 2001 إلى 4,8 في المائة سنة 2014 ، وهو ما يعبر عن ارتفاع ونمو في المستوى المعيشي للأسر المغربية، انعكس ايجابا على مؤشر التنمية البشرية، مما يعني أن هناك تقلص على مستوى الفوارق الاجتماعية وانخفاض عموما في وثيرة الفقر. كما تعتبر المندوبية السامية أن سوق الشغل في المغرب لا يمكن من ادماج جميع الفئات الاجتماعية من شباب ونساء، كما أن مناصب الشغل المحدثة تتميز بالقلة وعدم استيعابها لعدد الخريجين من الجامعات والمعاهد العليا، كما ان هذه المناصب على قلتها تتميز أيضا بضعف جودتها. ليبقى الرهان على السياسات العمومية الجديدة ذات التوجهات الكبرى، من خلال اقحام الجهات كفاعل أساسي في مجال التنمية وتحملها للمسؤولية الملقاة على عاتقها في المساهمة الفعالة في خلق الثروات، وجلب الاستثمارات لأجل خلق مناصب شغل جديدة، تمكن من امتصاص البطالة في المجالين الحضري والقروي.
كما أن الجهات مدعوة أيضا الى المزيد من التقارب فيما بينها، والتضامن حتى تنمحي الفوارق بينها لتنعكس ايجابا على الطبقات الاجتماعية داخلها، مما يوفر عنصر الاستقرار داخل الجهات، الكفيل بخلق المناخ الملائم للاستثمار.
إن مجرد تقديم الأرقام وبعض المعدلات لا يجيب عن الأسئلة التي سبق وأن طرحها السوسيولوجيون من قبيل :
ما هو المستوى المالي الذي ينبغي أن يتوفر للشخص لكي يلبي حاجياته الأساسية ؟
وما هي هذه الحاجيات الاساسية ؟
وهل الفرد الذي يجد ما يسد به الرمق ويتغلب على الجوع يمكن أن نقول أنه أصبح خارج دائرة الفقر؟
تبقى مسألة معالجة الفقر ذات بعد شمولي، ذلك أن الوهم الذي ترسخ لسنوات عديدة والذي مفاده أنه كلما اغتنت الدولة تقلص عدد الفقراء ونسبة الفقر فيها، ومن ثمة فإن مشكلة الفقر قابلة للحل التلقائي مع ارتفاع وثيرة النمو الاقتصادي. فلقد تبين من خلال تجارب العديد من الدول، أن نمو الاقتصاد المرتفع إذا لم ترافقه سياسة اجتماعية تتوخى تحقيق العدالة في توزيع ثمار ذلك النمو، فإن النتيجة قد تكون هي ظهور أشكال جديدة من الفقر وأشكال جديدة من الإقصاء والتهميش، كما حدث ذلك في دول اوربا وامريكا. فإن لم ينعكس ذلك النمو وغنى الدولة على وضعية الفقراء وحالتهم المعيشية، إلا واستدعي من جديد السؤال عن أين الثروة؟
من هنا يتبين لنا الدور الاساسي الذي يمكن ان تقوم به الدولة في شخص مؤسساتها التشريعية أساسا، لتحقيق عدالة توزيعية للخيرات، تأخذ بعين الاعتبار حاجيات ومصالح الفقراء في صيرورة البناء واتخاذ القرار، فقد ورد في تقرير التنمية البشرية لسنة 1999 “يبدو من الأهمية بما كان تحديد مسؤولية الإطار المؤسساتي والتشريعي نفسه عن انتاج ظاهرة الفقر، إن السياسة الناجحة هي تلك التي تأخذ بعين الاعتبار توسيع المشاركة السياسية، وتفرض المحاسبة والشفافية في عمل السلطة العمومية وتأخذ بعين الاعتبار في نفس الوقت تطلعات وطموحات الجماعة المحرومة.”
لقد خلصت أغلب الدراسات التي تناولت في تحليلها لظاهرة الفقر الى أن الخلل الأساسي يكمن في اللامساواة، وضعف القدرات والاختيارات والفرص المتاحة للأفراد للتمتع بالخيرات والخدمات التي تعتبر أساسية وحيوية بالنسبة لكل فرد والتي تتمثل في التعليم والصحة والسكن والشغل والماء الشروب..
الاخبار العاجلة