القصبة الزيدانية شاهد تاريخي على عراقة الفقيه بن صالح

12 يونيو 2017
القصبة الزيدانية شاهد تاريخي على عراقة الفقيه بن صالح

الشريف سداتي 

 
تقع هذه المعلمة التاريخية بتراب جماعة اولاد عبد الله التابعة لاقليم الفقيه بن صالح . ويعود إنشاؤهاعلى الجانب الأيسر من مشرع أم الربيع المعروف بالمحج السلطاني ، إلى سنة 992 هـ /1584م على يد زيدان بن أحمد المنصور الذهبي الذي كان واليا على جهة تادلا . و تعتبر أول حاضرة شيدت على بلاد بني عمير ، و لم تلبث أن أصبحت تتحكم في نصف المغرب ، بعد أن وزع أحمد المنصور مجموعة من المناطق على أبنائه ، و فوض لهم جميع الصلاحيات و السلط التي كان يتمتع بها . و ربما كان هذا من الأسباب التي جعلت بعض المؤرخين يصفون المنطقة بالقطر التادلي ، و القصبة الزيدانية بالقصبة العميرية ، و حتى بالمدينة العظيمة .

و هكذا يمكن اعتبار القصبة الزيدانية حاضرة بني عمير ، و مقر خليفة السلطان القديمة ، بنيت قبل قصبة بلكوش ( بني ملال ) و القصبة الإسماعيلية بتادلا بزمن طويل . و قد أشار إليها المؤرخ أحمد المقري في كتابه < الروضة الآس . ص : 62 > في معرض حديثه عن المفاخر العمرانية للدولة السعدية قائلا : ” و كذا اسمه ، وهي من مفاخر هذا البيت النبوي الشريف ” . و أضاف عبد الوهاب بن منصور ( محقق الكتاب ) : ” و هي القصبة الزيدانية ” . و من المؤكد أن تشييدها على المحور الطرقي شمال جنوب / جنوب شمال ، كان يدخل في إطار مسؤولية الدولة السعدية التي جعلت على عاتقها مهمة أمن الطرق ، كما ورد في كتاب< تاريخ الدولة السعدية . ص :66 > لصاحبه المؤرخ المجهول : ” فكان أحمد المنصور السعدي قد عمل قبل ذلك على تأمين الطرق ، فجعل كل شيخ ضامنا لما يضيع في إيالته ، أكد العهود ، و أخذ المواثيق على رؤساء القبائل ” .

و رغم تشييد المولى إسماعيل لقصبة تادلا فقد ظل دور القصبة الزيدانية الأساسي مستمرا ، و يبرز هذا الدور من خلال تعيين السلاطين العلويين لأمناء القصبة ، و من بينهم تعيين السلطان مولاي الحسن الأول لمحمد الحسن الهردة السوسي أمينا مكلفا بمرس الزيدانية و مسؤولا عن الخرص في منطقة تادلا . و لا بد من الإشارة في هذا المضمار إلى أن نقيب الشرفاء العلويين في المنطقة كان يقيم بالقصبة الزيدانية ، و يضطلع بجزء مهم مما يقوم به المخزن الجهوي من أخبار ، و استقبال للوفود ، و إجراء الصلح و التوسط ، و إجراء التحقيقات ، و تقديم الاقتراحات ، و تهدئة الأوضاع ، و التشفع لدى السلطان …
و من غير اللائق الحديث عن الثقافة دون التطرق إلى الزيدانية ، ذلك أنه بمجرد وصول زيدان لتادلا جمع حوله أهم شخصيات الإقليم البارزة ، و كان على رأسهم : أحمد بلقاسم الصومعي ، و امحمد الشرقي ، و أحمد بن أبي محلي ، و غيرهم . و قد استدل – في الموضوع – الأستاذ و الباحث أحمد محمد قاسمي في كتابه< تاريخ قبيلة بني عمير و المحيط التادلي . ص : 87 > بما جاء في وريقات مبعثرة ، الخزانة الحسنية : ” و كما كانت الزيدانية مركزا سياسيا فقد كانت مركزا ثقافيا ، بأحضانها تعقد للعلم المجالس و الندوات ، و في رحابها تقام الصلوات ، و بين جنباتها عزف العازفون و غنى المغنون ، فعلت حناجر الغيد ، تضاهي الطير بجميل الأغاريد و اللحون و أعذب الفنون .

هي آية في الفن تنبئ من أتى ***** عمن مضى و كفى بها للراء

و أشار إليها كذلك محمد الصغير اليفرني في كتابه< نزهة الحادي . ص :242> حيث قال : ” كان زيدان فقيها مشاركا ، و كان كثير المراء و الجدال ، كما وقع له مع سيدي أحمد بلقاسم الصومعي .

إلا أنها على الرغم من الدور السياسي و الأمني و الثقافي و الاقتصادي الذي ظلت تلعبه على مر الزمان ، فقد ظلت دوما في أذهان العميريين و غيرهم من أهل الربع التادلي ، على حد تعبير الباحث أحمد محمد قاسمي ، رمزا للسلطة و ما يمكن أن تثيره هذه الكلمة من خوف و رهبة في النفوس ولعل ذلك ما أخر نموها الحضاري و أبعد السكان عن جنباتها ، كما جعلها هدفا مرصودا لقوات الاحتلال الفرنسي حين دخولها المنطقة ، فكان أن احتلتها بتاريخ : 10 أبريل 1913م . و استباحت هدمها و شجعت على نهب نفائسها ، مما دفع بعض القواد إلى جلب أخشابها و سقوفها لتشييد منازلهم …

الاخبار العاجلة