من وحي مونديال قطر 2022…

14 ديسمبر 2022
من وحي مونديال قطر 2022…
د.محمد العشاب

من وحي مونديال قطر 2022
بداية اسمحوا لي !!!!
أيها الجالسون على الكراسي السياسية إن هذا الالتصاق ومن أي موقع كنتم برلمانا وحكومة وأحزابا، رجاءا تخلصوا من أنانيتكم وساديتكم وعجرفتكم وتهافتكم على المسؤوليات هنا وهناك، واستحضروا ولو للحظة مسروقة من حياتكم الباذخة أنكم جتمتم على صدورنا وأثقلتم كواهلنا بأراجيفكم المبتذلة، وأنكم عمرتم طويلا وتحذلقتم كثيرا وراوغتم وسوفتم ودغدغتم مشاعرنا إلى حد التخمة وخونتم كل من تجرأ على لفت انتباهكم إلى استهتاركم بقضايا السواد الأعظم من المجتمع متوهمين أنكم تخدمون الوطن والمواطنين متناسين أن الوطنية الحقة تقتضي الانكباب على تغيير الواقع المزري لأبناء المغرب الذي يسكننا إلى حد التماهي والإصغاء إلى نبض الشارع الذي يطالب بالقطع مع السياسات التي لم تساهم إلا في المزيد من إغناء الأغنياء وتفقير الفقراء ضدا على طموحات الشعب المغربي المشبع بالوطنية الحقة وبالغيرة الصادقة على ثوابت البلاد.

وهنا لست في حاجة إلى دفعكم أيها السياسيون المحترمون؟ ! لاستخلاص الدروس القيمة والمعبرة من خلال الانفجار الشعبي الذي رافق انتصارات منتخبنا الوطني بقطر مقدمين الدليل القاطع على ما ينبغي أن تكون على الوطنية الحقيقية، ومفندين كل الادعاءات التي تشكك في وطنيتهم.

إن الانخراط الشعبي بعفوية وتلقائية في مساندة ودعم منتخبنا الوطني وبكل الوسائل والأساليب داخل المدرجات وخارجها أدهش المتتبعين في العالم بأسره ودفع الجميع إلى رفع القبعة للجماهير المغربية التي أوقفت عقارب الساعة وتركت وراء ظهرها إحباطاتها وخيباتها وشجونها ومشاكلها- وما أكثرها ! لتتوحد خلف أسود الأطلس واضعة مصلحة وسمعة الوطن فوق كل اعتبار.

واعتبارا لذلك لا يسعني إلا أن أنحني إجلالا وإكبارا لهذا الشعب الجميل وأقبل الأرض تحت أقدامه لأنه نسي كل شيء وارتمى في أحضان الوطن بشكل هستيري مدعما ومساندا ومنتشيا بالمستويات الرائعة التي قدمها أبناء وليد الركراكي الأشاوش في مواجهة أعتد الفرق العالمية المشهود لها بعلو الكعب في كرة القدم الساحرة.

– فالجماهير المغربية (الشعب) ملأت مدرجات الملاعب التي احتضنت مباريات الفريق الوطني بقطر فأبدعت وأبهرت العالم من خلال اللوحات الفنية التي قدمتها ومن خلال حناجرها التي صدحت عاليا وأسمعت العالم نشيدنا الوطني والذي لم يزد اللاعبين إلا حماسا وقوة في مواجهة كل الخصوم الذين واجهناهم في كل المقابلات مما دفع الجميع إلى اعتبار هذه الجماهير رقما صعبا في هذا العرس الرياضي العالمي.
وتلك سمة من سمات الوطنية الحقة.

– والجماهير المغربية (الشعب) تهافتت وتنافست وتسارعت إلى اقتناء تذاكر مباريات منتخبنا الوطني متحدية جشع تجار السوق السوداء هاجسها الأساسي تحسيس اللاعبين بأنهم ليسوا لوحدهم في الميدان ما دام الأمر يتعلق بإعلاء سمعة المغرب الجميل الذي لازال في بحث مضن عن قادة سياسيين في مستوى تطلعات الوطن والمواطنين.وتلك علامة من علامات النبل الوطني الحقيقي.

– والجماهير المغربية (الشعب) نسيت كل التزاماتها وأمورها الشخصية لترتمي بين أحضان اللحظة الرياضية التاريخية وبكل الأساليب والوسائل المتاحة (أهازيج، أغاني، شعارات، أعلام، أقمصة، احتفالات…) معبرين بذلك على تعلقها بوطنها إلى حد النخاع آملة في أن يعمل السياسيون على إعادة برمجة عقولهم وسياساتهم حتى ترقى إلى مستوى تطلعات هذه الجماهير وطموحاتها.

وتلك آية من آيات الصدق الوطني الذي لا يحتاج إلى دليل.
– والجماهير المغربية (الشعب) تتبعت على أعصابها كل مقابلات منتخبنا الوطني وتفاعلت بشكل جنوني مع كل أطوار هذه المقابلات متوجة ذلك بالخروج الجماعي في كل المدن المغربية وكل دول المهجر لتعبر عن فرحتها وابتهاجها بانتصارات أسودنا مسخرة حناجرها للتغني بأنشودة الوطن أولا والوطن ثانيا والوطن ثالثا والوطن إلى ما لا نهاية.
وفي ذلك دلالة على أن الوطن يعلو ولا يعلى عليه.
إلى هذه الجماهير (الشعب) الأبي النقي والطموح أرفع القبعة لأنه شعب بعث أكثر من رسالة إلى كل من يهمهم الأمر علهم يعيدون النظر في مفهوم الوطنية الحقة.

 

وإلى سياسيي هذا البلد أقول إن هذا الإنجاز الرياضي التاريخي مناسبة – والمناسبة شرط كما يقال- فإما أن تكونوا على موعد مع التاريخ الذي يرفض التبرير والانتظار وإلا ستظلون متشبتين بغروركم وغطرستكم واستبلادكم لهذا الشعب الجميل الذي قدم أوراق اعتماده للجميع مؤكدا أنه ليس في حاجة إلى من يلقنه دروسا في الوطنية الصادقة وهنا سيكون عليكم بالضرورة الإعلان عن فشلكم والانسحاب في صمت لأنكم لا تستحقون الحديث باسم هذا الشعب الذي برهن بالملموس على أنه أكبر من أن يمثله من لا غيرة له على الوطن والمواطنين.

 

إن هذا الانجاز بكل ما رافقه من مكابدة ومعاناة وقراءات متعددة في حظوض المنتخب المغربي لاثبات ذاته وشخصيته المغربية في هذا المحفل الرياضي خصوصا بعدما أوقعته القرعة في مجموعة الموت جعل أشد المتفائلين يستبعدون تجاوز أبنائنا لدور المجموعات وتحقيق نتائج مبهرة أخرست كل المشككين في قدرات أبناء العالم الثالث على صنع التاريخ. إنه إنجاز خرج من صلب الإرادة الوطنية الصادقة التي أرجعت للأسود هبتها وعنفوانها وشراستها في مواجهة المنتخبات الكبرى وتكسير شوكتها على المستطيل الأخضر بقتالية وروح وطنية عالية.

إنه إنجاز لمع صورة المغرب والمغاربة على أوسع نطاق وأثبت بالملموس أن بلدنا يزخر بالكفاءات وفي كل المجالات سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية والتي لا تنتظر سوى منحها الفرصة لتفجير طاقتها لتحقيق الإقلاع المنشود والرقي لمجتمعنا إلى مصاف الدول المتقدمة لأنه لا شيء ثابت في الحياة، ولا يوجد وضع محكوم عليه بالجمود ولا مشاكل كيفما كان نوعها مستعصية على إيجاد مفاتيح للتغلب عليها إذا توفرت الإرادة السياسية الحقيقية على جعل المستحيل ممكنا وهو أمر ليس بعزيز على النبوغ والكفاءة والذكاء المغربي.

أتمنى أن يستوعب الدرس في الاتجاه الصحيح وألا يحول هذا الإنجاز الرياضي التاريخي إلى مناسبة أخرى لتوظيفه توظيفا سياسيا رخيصا لجعله مادة للاستهلاك اليومي وتجنيد بعض الأبواق للتطبيل المؤدى عنه والذي لا يرى الأمور في شموليتها بل يعمل جاهدا على اعتبارها فرصة لتنويم الجماهير وجعلها مكتفية بالانتشاء بهذه اللحظة الرياضية بعيدا عن علاقتها بما ينبغي أن تكون عليه سياستنا المغربية في كل المجالات. فأولادنا الذين حققوا هذا التوهج التاريخي والمبهر أمثالهم كثر ممن لهم الكاريزما القادرة على تحقيق الطفرة النوعية في كل مناحي الحياة بمغربنا الجميل فافتحوا فأمامهم الأبواب إن كنتم صادقين.

الاخبار العاجلة